للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: عندي هذا القول أقرب إلى الصواب، وذلك أن قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أتصلي الصبح أربعًا؟ " ظاهر في كون الإنكار لكون المتنفل جعل صلاة الصبح أربع ركعات، ويُفْهَم منه أيضًا أن النهي عامّ لمن يصلي عند الإقامة، سواء ابتدأ بالنافلة قبل الإقامة، أو عندها، أو بعدها، وسواء كان في المسجد، أو خارجها، واللَّه تعالى أعلم.

وقال القاضي عياض -رَحِمَهُ اللَّهُ-: والحكمة في النهي عن صلاة النافلة بعد الإقامة أن لا يتطاول عليها الزمان، فيُظَنّ وجوبها، قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وهذا ضعيف، بل الصحيح أن الحكمة فيه أن يَتفرغ للفريضة من أولها، فيَشرَع فيها عقب شروع الإمام، وإذا اشتغل بنافلة فاته الإحرام مع الإمام، وفاته بعض مكملات الفريضة، فالفريضة أولى بالمحافظة على إكمالها. انتهى (١).

وذهب بعضهم إلى أن سبب الإنكار، عدم الفصل بين الفرض والنفل؛ لئلا يلتبسا، وإلى هذا جنح الطحاويّ، واحتجّ له بالأحاديث الواردة بالأمر بذلك، ومقتضاه أنه لو كان في زاوية من المسجد لم يكره، وهو متعقَّب بما ذُكِر؛ إذ لو كان المراد مجرد الفصل بين الفرض والنفل، لم يحصل إنكار أصلًا؛ لأن ابن بحينة سَلَّم من صلاته قطعًا (٢)، ثم دخل في الفرض.

ويدلّ على ذلك أيضًا حديث قيس بن عمرو الذي أخرجه أبو داود وغيره: أنه صلى ركعتي الفجر بعد الفراغ من صلاة الصبح، فلما أخبر النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- حين سأله، لم ينكر عليه قضاءهما بعد الفراغ من صلاة الصبح متصلًا بها، فدلّ على أن الإنكار على ابن بحينة إنما كان للتنفل حال صلاة الفرض، وهو موافق لعموم حديث: "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة".

وقد فهم ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- اختصاص المنع بمن يكون في المسجد، لا خارجًا عنه، فصح عنه أنه كان يحصب مَن يتنفل في المسجد بعد الشروع في


(١) "شرح النوويّ" ٥/ ٢٢٣.
(٢) قوله: "سلّم قطعًا" فيه نظر لا يخفى؛ لأنه يَحْتَمل أنه دخل بدون تسليم؛ إذ لم يُنقل إلينا ذلك، فلو قال: لأن ابن بُحينة سيُسلّم من صلاته قطعًا، ثم يدخل في الفرض لما أنكر عليه، لكان أولى، فتأمّله، واللَّه تعالى أعلم.