ذهب الشافعية، وجماعة إلى جواز أدائها فيها، وهو الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية -رَحِمَهُ اللَّهُ- لظاهر أحاديث الباب.
وذهب أبو حنيفة، والأوزاعيّ، والليث إلى كراهة أدائها فيها، محتجين بأحاديث النهي عن الصلاة في أوقات الكراهة.
وأجاب الأولون بأن النهي إنما هو عما لا سبب له؛ لأن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- صلى بعد العصر ركعتين قضاء سنة الظهر، متّفقٌ عليه.
وبحديث:"أن رجلًا صلى مع النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- الصبح، ولم يكن ركع ركعتي الفجر، فلما سلّم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قام يركع ركعتي الفجر، ورسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ينظر إليه، فلم ينكر ذلك عليه"، رواه ابن حبان في "صحيحه".
وبحديث:"أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- صلى الصبح في مسجد الخيف، فلما انصرف إذا هو برجلين، لم يصليا معه، فقال: "عليّ بهما"، فجيء بهما تَرْعَدُ فَرائصهما، فقال: "ما منعكما أن تصليا معنا؟ "، قالا: صلينا في رحالنا، قال: "فلا تفعلا، فإذا صليتما في رحالكما، ثم أتيتما مسجد جماعة، فصلّيا معهم، فإنها لكما نافلة"، رواه أبو داود والنسائي، وصححه الترمذيّ.
وبحديث: "أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر بركعتي تحية المسجد لمن جاء يوم الجمعة، والإمام يخطب"، مع أن الوقت وقت سماع الخطبة، ففي رواية الشيخين، من حديث جابر -رضي اللَّه عنه- مرفوعًا: "إذا جاء أحدكم يوم الجمعة، وقد خرج الإمام، فليصلّ ركعتين"، وفي رواية لمسلم: "إذا جاء أحدكم يوم الجمعة، والإمام يخطب فليركع ركعتين، وليتجوّز فيهما".
قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: قد تبيّن من هذه الأدلّة الصحيحة ترجيح قول من قال بمشروعية ركعتي تحية المسجد مطلقًا في أوقات الكراهة، ووقت الخطبة، وغيرها، فتبصّر، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة السادسة): قال الإمام ابن دقيق العيد بعد ذكر الخلاف المتقدم ما نصه: وهذا الخلاف في هذه المسألة ينبني على مسألة أصولية مُشْكِلَة، وهو ما إذا تعارض نصّان كل واحد منهما بالنسبة إلى الآخر عام من وجه، خاص من وجه، ولست أعني بالنصين ها هنا ما لا يحتمل التأويل.
وتحقيق ذلك أوَّلًا يتوقف على تصوير المسألة، فنقول: مدلول أحد