قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: الأمر الزائد المرجِّح موجود -وللَّه الحمد- وهو ما تقدّم من النصوص الدالة على جواز الصلوات التي لها أسْبَاب.
والمراد بذوات الأسباب هي التي لها سبب متقدم عليها، فاندفع بهذا ما قاله الصنعانيّ من أن الحكم على بعض الصلوات بأنها من ذوات الأسباب دون بعض تفريق بين المتماثلات؛ إذ ما من صلاة إلا ولها سبب باعث عليها أقله الندب إليها، فإن أرادوا ما نُصَّ عليه بخصوصه من النوافل، فهو من التنصيص على بعض أفراد العام الشامل له ولغيره، وهو قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الصلاة خير موضوع، فمن أراد أن يستكثر منها، فليستكثر"، حديث حسن أخرجه الطبرانيّ في "الأوسط للطبرانيّ" بلفظ: "فمن استطاع أن يستكثر"، والتنصيص على بعض أفراد العام لا يقتضي التخصيص، وأنه مع ذلك يلزم أن لا يبقى لأحاديث النهي محل يتوجه إليه. انتهى.
قال الجامع عفا اللَّه عنه: هذا الذي قاله الصنعانيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- بعيد كل البعد عما تقدّم، فإن المراد بالأسباب هنا هي الأسباب التي قدَّمها الشخص على فعل الصلاة، فاقتضت فعلَها، وذلك كأن تفوته صلاة، فيتذكرها في ذلك الوقت، فيصليها، أو يدخل المسجد فيصلي ركعتين، أو يتوضأ فيصلي ركعتي الوضوء، أو يأتي المسجد، وقد صلى العصر، أو الصبح في رحله، فأدرك الجماعة، فصلى معهم، أو فاتته ركعتا الفجر، فصلاهما بعد أداء الفرض جماعة، أو نحو ذلك، فمثل هذه الأشياء هي التي لها أسباب تقدمت على فعلها، وأما البواعث المقتضية للفعل من جهة الشرع، كالحديث الذي ذكره، فليست مرادة ها هنا، فتبصّر بالإنصاف، واللَّه تعالى الهادي إلى سواء السبيل.
وأما ما قاله الشوكانيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- بعد ذكره التعارض المتقدِّم، وأنه لا يمكن الترجيح-: والمقام عندي من المضائق، والأوْلى للمتورع ترك دخول المساجد في أوقات الكراهة، فعجيب من مثله، فكيف يُمْنَع المسلم، من دخول المساجد؟ وأيُّ نص في ذلك حتى نعتمد عليه؟ بل الصواب أن المساجد مأذون في دخولها في جميع الأوقات، إلا فيمن ورد النصّ بتحريم الدخول في حقه كمن أكل ثُومًا، أو نحو ذلك، واللَّه تعالى أعلم.