والحاصل أن أدلة تخصيص عموم النهي بذوات الأسباب واضحة، لا لبس فيها، فيُشْرَع أداء ركعتي تحية المسجد في جميع الأوقات، فتبصّر بالإنصاف، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة السابعة): قال الإمام ابن دقيق العيد -رَحِمَهُ اللَّهُ-: إذا دخل المسجد بعد أن صلى ركعتي الفجر في بيته فهل يركعهما في المسجد؟، اختَلَف قول مالك فيه، وظاهر الحديث يقتضي الركوع، وقيل: إن الخلاف في هذا من جهة معارضة هذا الحديث للحديث الذي رووه من قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا صلاة بعد الفجر، إلا ركعتي الفجر"، وهذا أضعف من المسألة السابقة؛ لأنه يحتاج في هذا إلى إثبات صحة هذا الحديث حتى يقع التعارض، فإن الحديثين الأولين في المسألة الأولى صحيحان، وبعد التجاوز عن هذه المطالبة، وتقدير تسليم صحته يعود الأمر إلى ما ذكرناه من تعارض أمرين، يصير كل واحد منهما عامًّا من وجه، خاصّا من وجه، وقد ذكرناه. انتهى (١).
قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: أما الحديث المذكور فضعيفٌ بجميع طرقه، وإن صححه بعضهم بمجموعها، فلا يعارض الحديث الصحيح، حديثَ عمرو بن عَبَسة -رضي اللَّه عنه-: أصَلِّ ما بدا لك حتى تصلي الصبح" الحديث.
والحاصل أن من دخل المسجد بعد أداء ركعتي الفجر، يصلي ركعتي تحية المسجد؛ لكونهما من ذوات الأسباب، كما سبق تحقيقه قريبًا، فتفطّن، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الثامنة): في اختلاف أهل العلم فيما إذا دخل المسجد مجتازًا، فهل يؤمر بالركعتين؟ أم لا؟:
خَفَّف في ذلك مالك -رَحِمَهُ اللَّهُ-، قال ابن دقيق العيد -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وعندي أن دلالة هذا الحديث لا تتناول هذه المسألة؛ فإنا إن نظرنا إلى صيغة النهي، فالنهي يتناول جلوسًا قبل الركعتين، فإذا لم يحصل الجلوس أصلًا لم يفعل المنهي،