وإن نظرنا إلى صيغة الأمر، فالأمر توجه بركوع قبل الجلوس، فإذا انتفيا معًا لم يخالف الأمر. انتهى (١).
قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: هذا الذي قاله ابن دقيق العيد -رَحِمَهُ اللَّهُ- هو الظاهر، فمن دخل المسجد مجتازًا ليس عليه أن يركع الركعتين؛ لعدم تناول النصّ له، واللَّه تعالى أعلم.
وقال الحافظ ابن رجب -رَحِمَهُ اللَّهُ-: (واعلم) أن حديث أبي قتادة -رضي اللَّه عنه- قد روي بلفظين:
[أحدهما]: "إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس"، كذا رواه مالك، وقد أخرجه البخاريّ ها هنا من طريقه كذلك، وهذا اللفظ يقتضي الأمر لهم بالصلاة قبل الجلوس، فمن جلس في المسجد كان مأمورًا بالصلاة قبل جلوسه، ومن لم يجلس فيه، فهل يكون مأمورًا بالصلاة؟ ينبغي على أن القبلية المطلقة هل تصدُق بدون وجود ما أضيفت إليه أم لا؟ وفيه خلاف، فإن قيل: إنها لا تصدق بدونه، فالأمر لا يتناول من لا يجلس، وإن قيل: إنها تصدق بدونه تناوله الأمر.
[واللفظ الثاني]: "إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين"، وقد أخرجه البخاريّ في:"أبواب صلاة التطوع" من رواية عبد اللَّه بن سعيد -هو: ابن أبي هند- عن عامر بن عبد اللَّه بن الزبير، بإسناده.
وهذه الرواية إنما فيها النهي عن الجلوس حتى يصلي، فمن دخل ولم يجلس، بل مرّ في المسجد مجتازًا فيه، أو دخل لحاجة ثم خرج ولم يجلس لم يتناوله هذا النهي.
ولكن أخرجه أبو داود من رواية أبي عُميس، عن عامر بن عبد اللَّه، عن رجل من بني زريق، عن أبي قتادة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، بنحوه، زاد فيه:"ثم ليقعد بعد إن شاء، أو ليذهب إلى حاجته".
وهذه الزيادة تدلّ على تناول الأمر لمن قعد ومن لم يقعد، ولعلها مدرجة في الحديث.