للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يعني لأسبّحها- يقتضي الفعل، والثاني -يعني لأستحبّها- لا يستلزمه (وَإِنْ) بكسر الهمزة، مخفّفة من "إنّ" المشدّدة، واسمها ضمير شأن محذوف؛ أي: إنه، واللام في خبرها، وهو "ليدع العمل" هي الفارقة بينها، وبين "إن" النافية، وإلى هذا أشار ابن مالك -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "الخلاصة" بقوله:

وَخُفِّفَتْ "إِنَّ" فَقَلَّ الْعَمَلُ … وَتَلْزَمُ اللَّامُ إِذَا مَا تُهْمَلُ

وَرُبَّمَا اسْتُغْنِيَ عَنْهَا إِنْ بَدَا … مَا نَاطِقٌ أَرَادَهُ مُعْتَمِدَا

وَالْفِعْلُ إِنْ لَمْ يَكُ نَاسِخًا فَلَا … تُلْفِهِ غَالِبًا بِـ "إِنْ" ذِي مُوصَلَا

(كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- لَيَدَعُ) بفتح اللام، وهي الفارقة، كما أسلفته آنفًا؛ أي: ليترك (الْعَمَلَ، وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ) جملة في محلّ نصب على الحال (خَشْيَةَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ النَّاسُ) بنصب "خشية" على أنه مفعول من أجله؛ أي: لأجل خشيته عمل الناس بما عَمِل؛ اقتداءً به (فَيُفْرَضَ عَلَيْهِمْ) بالبناء للمفعول، ونصبه عطفًا على "يَعْمَلَ".

قال ابن عبد البرّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: في هذا الحديث من الفقه معرفة رأفة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بأمته، ورحمته بهم -صلوات اللَّه عليه وسلامه- كما قال اللَّه عزَّ وجلَّ: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (١٢٨)} [التوبة: ١٢٨]. انتهى (١).

وقال ابن الجوزيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "فيُفرَضَ عليهم" يَحْتَمِل وجهين: أحدهما: فيَفْرِضه اللَّه تعالى، والثاني: فيعملوا به اعتقادًا أنه مفروض. انتهى (٢).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: الاحتمال الثاني فيه نظرٌ، فتأمّله.

وقال ابن بطال -رَحِمَهُ اللَّهُ-: يَحْتَمِل حديث عائشة -رضي اللَّه عنها- معنيين:

[أحدهما]: أنه يُمكن أن يكون هذا القول منه في وقتٍ فُرِض عليه قيام الليل دون أمته؛ لقوله في الحديث الآخر: "لم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تُفْرَض عليكم"، فدل على أنه كان فرضًا عليه وحده، فيكون معنى قول عائشة: "إن كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لَيَدُع العمل"، أنه كان يدع عمله


(١) "التمهيد" لابن عبد البر ٨/ ١٣٤.
(٢) راجع: "عمدة القاري" ٧/ ٢٥٧.