للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "فليقل خيرًا، أو ليصمت" أَمْرٌ بقول الخير، وبالصمت عما عداه، وهذا يدل على أنه ليس هناك كلام يستوي قوله والصمتُ عنه، بل إما أن يكون خيرًا، فيكون مأمورًا بقوله، وإما أنه غيرَ خير، فيكون مأمورًا بالصمت عنه، وحديثُ معاذ، وأم حبيبة يدلان على هذا.

وخرّج ابن أبي الدنيا من حديث معاذ بن جبل - رضي الله عنه -، ولفظه: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: "يا معاذ ثَكِلَتْك أمُّك، وهل تقول شيئًا إلا وهو لك أو عليك".

وقد قال الله تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (١٨)} [ق: ١٨]، وقد أجمع السلف الصالح على أن الذي عن يمينه يَكتُب الحسنات، والذي عن شماله يَكْتُب السيئات، وقد رُوي ذلك مرفوعًا من حديث أبي أمامة - رضي الله عنه - بإسناد ضعيف (١).

وفي "الصحيح" عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "إذا كان أحدكم يصلي، فإنه يناجي ربه، والملك عن يمينه"، ورُوي من حديث حذيفة - رضي الله عنه - مرفوعًا: "إن عن يمينه كاتب الحسنات" (٢).

واختلفوا هل يُكتَب كل ما يُتَكَلَّم به، أم لا يُكتب إلا ما فيه ثواب أو عقاب؟ على قولين مشهورين.

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: يُكتب كلُّ ما تكلم به من خير أو شرّ، حتى إنه ليكتب قوله: أكلتُ، وشربتُ، وذهبت، وجئت، حتى إذا كان يومُ الخميس عُرِض قولُه وعملُه، فأُقِرَّ ما كان فيه من خير أو شرّ، وأُلقي سائره، فذلك قوله تعالى: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (٣٩)} [الرعد: ٣٩].

وعن يحيى بن أبي كثير قال: رَكِبَ رجلٌ الحمارَ، فعَثَر به، فقال: تَعِسَ


(١) رواه الطبرانيّ (٧٧٦٥ و ٧٧٨٧ و ٧٩٧١) ولفظه: "صاحب اليمين أمين على صاحب الشمال، فإذا عَمِل حسنةً أثبتها، وإذا عمل سيئةً قال له صاحب اليمين: امكُث ستّ ساعات، فإن استغفر لم يكتب عليه، وإلا أثبت عليه سيئة"، وقال الهيثميّ في "المجمع" ١٠/ ٢٠٨: رواه الطبرنيّ بأسانيد، ورجال أحدها وُثّقوا.
(٢) رواه ابن أبي شيبة ٢/ ٣٦٤ بإسناد صحيح.