قال في "الفتح": واستدلّ بهذا الحديث على أن أكثر صلاة الضحى ثمان ركعات، واستبعده السبكيّ، ووجّه بأن الأصل في العبادة التوقُّف، وهذا أكثر ما ورد في ذلك من فعله -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقد ورد من فعله دون ذلك، كحديث ابن أبي أوفى -رضي اللَّه عنه- أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- صلى الضحى ركعتين، أخرجه ابن عدي، وسيأتي من حديث عتبان قريبًا مثله، وحديث عائشة -رضي اللَّه عنها- عند مسلم:"كان يصلي الضحى أربعًا"، وحديث جابر -رضي اللَّه عنه- عند الطبراني في "الأوسط": "أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- صلى الضحى ستّ ركعات".
وأما ما ورد من قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-، ففيه زيادة على ذلك، كحديث أنس -رضي اللَّه عنه- مرفوعًا:"من صلى الضحى ثنتي عشرة ركعة، بَنَى اللَّه له قصرًا في الجنة"، أخرجه الترمذيّ، واستغربه، وليس في إسناده مَن أُطلق عليه الضعف.
وعند الطبرانيّ من حديث أبي الدرداء -رضي اللَّه عنه- مرفوعًا:"من صلى الضحى ركعتين، لم يكتب من الغافلين، ومن صلى أربعًا كتب من التائبين، ومن صلى ستًّا كُفي ذلك اليوم، ومن صلى ثمانيًا كتب من العابدين، ومن صلى ثنتي عشرة، بَنَى اللَّه له بيتًا في الجنة"، وفي إسناده ضعف أيضًا، وله شاهد من حديث أبي ذرّ -رضي اللَّه عنه-، رواه البزار، وفي إسناده ضعف أيضًا، ومن ثَمَّ قال الرُّويانيّ، ومن تبعه: أكثرها ثنتا عشرة.
وقال النوويّ في "شرح المهذَّب": فيه حديث ضعيفٌ، كأنه يشير إلى حديث أنس -رضي اللَّه عنه-، قال الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: لكن إذا ضُمّ إليه حديث أبي ذرّ، وأبي الدرداء -رضي اللَّه عنهما- قَوِي، وصَلُح للاحتجاج به.
ونَقَل الترمذيّ، عن أحمد أن أصحّ شيء ورد في الباب حديث أم هانئ -رضي اللَّه عنها-، وهو كما قال، ولهذا قال النوويّ في "الروضة": أفضلها ثمان، وأكثرها ثنتا عشرة، ففرَّق بين الأكثر والأفضل، ولا يُتَصَوَّر ذلك إلا فيمن صلى الاثنتي عشرة بتسليمة واحدة، فإنها تقع نفلًا مطلقًا عند من يقول: إن أكثر سنة الضحى ثمان ركعات، فأما مَن فَصَلَ فإنه يكون صلى الضحى، وما زاد على الثمان يكون له نفلًا مطلقًا، فتكون صلاته اثنتي عشرة في حقه أفضل من ثمان؛ لكونه أتى بالأفضل وزاد.
وقد ذهب قوم منهم: أبو جعفر الطبريّ، وبه جزم الْحَلِيميّ، والرُّويانيّ،