للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال النوويُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قولها: فلما انصرف قلت: يا رسول اللَّه، زعم ابن أمي علي بن أبي طالب أنه قاتل رجلًا أجرته فلان ابن هُبيرة، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ".

في هذه القطعة فوائد، منها: أن من قصد إنسانًا لحاجة ومطلوب، فوجده مشتغلًا بطهارة ونحوها، لم يقطعها عليه حتى يفرغ، ثم يسأل حاجته، إلا أن يخاف فوتها.

واستدَلَّ بعض أصحابنا، وجمهور العلماء بهذا الحديث على صحة أمان المرأة، قالوا: وتقدير الحديث: حكمَ الشرع صحة جواز مَن أَجَرْتِ، وقال بعضهم: لا حجة فيه؛ لأنه مُحْتَمِلٌ لهذا، ومُحْتَمِلٌ لابتداء الأمان، ومثل هذا الخلاف اختلافهم في قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَن قَتَلَ قتيلًا، فله سلبه"، هل معناه أن هذا حكم الشرع في جميع الحروب إلى يوم القيامة، أم هو إباحةٌ، رآها الإمام في تلك المرة بعينها، فإذا رآها الإمام اليوم عَمِلَ بها، وإلا فلا؟ وبالأول قال الشافعيّ وآخرون، وبالثاني أبو حنيفة ومالك، ويُحْتَجّ للأكثرين بأن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لم ينكر عليها الأمان، ولا بَيَّن فساده، ولو كان فاسدًا لبيّنه؛ لئلا يُغْتَرَّ به. انتهى (١).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: ما ذهب إليه الشافعيّ وآخرون هو الأرجح؛ لظاهر هذا الحديث، ولحديث عليّ -رضي اللَّه عنه- مرفوعًا: "وذمة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم"، متّفق عليه، واللَّه تعالى أعلم.

وقولها: (وَذَلِكَ ضُحًى) أي: وهذه الواقعة من الغسل، والصلاة، والكلام في قضية قتل عليّ من أجارته جرى بين أم هانئ وبين النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وقت الضحى.

قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قولها: "وذلك ضحى" استَدَلَّ به أصحابنا، وجماهير العلماء على استحباب جعل الضحى ثمان ركعات، وتوقَّف فيه القاضي عياض وغيره، ومنعوا دلالته، قالوا: لأنها إنما أخبرت عن وقت صلاته، لا عن نيّتها، فلعلّها كانت صلاة شكر للَّه تعالى على الفتح، وهذا الذي قالوه فاسدٌ، بل الصواب صحة الاستدلال به،


(١) "شرح النوويّ" ٥/ ٢٣٢.