والشافعيّ، والجمهور، وقال بعض السلف: لا بأس بإطالتهما، ولعله أراد أنها ليست محرَّمة، ولم يخالف في استحباب التخفيف، وقد بالغ قوم، فقالوا: لا قراءة فيهما أصلًا، حكاه الطحاويّ والقاضي عياض، وهو غلطٌ بَيِّنٌ، فقد ثبت في الأحاديث الصحيحة التي ذكرها مسلم بعد هذا أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يقرأ فيهما بعد الفاتحة بـ {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (١)}، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١)}، وفي رواية:{قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ}[البقرة: ١٣٦]، و {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا}[آل عمران: ٦٤]، وثبت في الأحاديث الصحيحة:"لا صلاة إلا بقراءة"، و"لا صلاة إلا بأم القرآن"، و"لا تجزئ صلاة لا يُقرأ فيها بأمّ القرآن".
واستَدَلَّ بعض الحنفية بهذا الحديث على أنه لا يُؤَذَّن للصبح قبل طلوع الفجر؛ للأحاديث الصحيحة:"إن بلالًا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا، حتى يؤذن ابن أم مكتوم"، وهذا الحديث الذي في الباب المراد به الأذان الثاني. انتهى كلام النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-، وهو بحث مفيدٌ، واللَّه تعالى أعلم.
وقال في "الفتح": وقد تمسك به من زعم أنه لا قراءة في ركعتي الفجر أصلًا.
وتُعُقِّب بما ثبت في الأحاديث الآتية.
قال: وفي تخصيصها أمّ القرآن بالذكر إشارةٌ إلى مواظبته لقراءتها في غيرها من صلاته. انتهى.
وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ليس معنى هذا أنها شكّت في قراءته -صلى اللَّه عليه وسلم- بأمّ القرآن؛ لأنه قد ثبت عنه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال:"لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن"، متّفقٌ عليه، وإنما معنى ذلك أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان في غيرها من النوافل يقرأ بالسورة، ويُرتّلها حتى تكون أطول من أطول منها، بخلاف فعله في هذه، فإنه كان يُخفّف أفعالها وقراءتها، حتى إذا نُسِبت إلى قراءته في غيرها كانت كأنها لم يقرأ فيها.
وقد دلّ على صحّة هذا ما في حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يقرأ فيهما بـ {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (١)}، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١)}، وهذا بعد قراءة الفاتحة في الركعتين قبل السورتين، على ما قد تبيّن اشتراطه في الصلاة، كما