للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

تقدّم، وعلى هذا يُحْمَل حديث ابن عبّاس -رضي اللَّه عنهما- أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يقرأ فيها بقوله تعالى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ} الآية [البقرة: ١٣٦]، وبقوله تعالى: {تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ} الآية [آل عمران: ٦٤] أنه كان يقرأ ذلك بعد الفاتحة، وما ذكرناه هو الظاهر من مجموع الأحاديث، وهو اختيار جمهور أصحاب مالك استحبّوا أن يقرأ فيهما بأمّ القرآن في كل ركعة منهما، و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (١)} في الأولى، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١)} في الآخرة، وهو قول الشافعيّ وأحمد، واستَحَبّ مالك الاقتصار على أم القرآن، على ظاهر حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-.

وذهب قوم إلى أنه لا يقرأ فيهما أصلًا، وذهب النخعيّ إلى جواز إطالة القراءة فيهما، واختاره الطحاويّ، وذهب الثوريّ والحسن وأبو حنيفة إلى أنه يجوز لمن فاته حزبه من الليل أن يقرأه فيهما. انتهى كلام القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: لا يخفى ضعف هذه الأقوال سوى الأول، وأما قول من قال بعدم القراءة فباطلٌ قطعًا، وأما قول مالك بقراءة الفاتحة فقط، فيردّه حديث أبي هريرة، وابن عبّاس -رضي اللَّه عنهم-، وأما من قال بإطالة القراءة، فيردّه حديث عائشة -رضي اللَّه عنها- هذا، وكذا من قال: بقضاء الحزب الفائت، ويردّه أيضًا ما صحّ عنه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن قضاءه يكون بعد صلاة الفجر، لا قبلها، فقد أخرج المصنّف -رَحِمَهُ اللَّهُ- عن عمر بن الخطّاب -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- "من نام عن حزبه، أو عن شيء منه، فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر، كُتِب له كأنما قرأه من الليل" (٢).

والحاصل أن المذهب الصحيح هو ما ذهب إليه أكثر العلماء من أن ركعتي الفجر يُسنّ تخفيفهما، وأنه لا بدّ من قراءة الفاتحة، ويُستحبّ قراءة السورتين، أو الآيتين المذكورتين، فتبصّر، وسيأتي مزيد تحقيق لهذا في المسألة الثالثة -إن شاء اللَّه تعالى- واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.


(١) "المفهم" ٢/ ٣٦٢ - ٣٦٣.
(٢) سيأتي للمصنّف قريبًا في أبواب صلاة الليل برقم (٧٤٧).