مع الفاتحة؛ عملًا بالحديث المذكور، وبذلك قال الجمهور، وقالوا: معنى قول عائشة -رضي اللَّه عنها-: "هل قرأ فيهما بأم القرآن؟ " أي: مقتصرًا عليها، أو ضم إليها غيرها، وذلك لإسراعه بقراءتها، وكان من عادته أن يُرَتِّل السورة حتى تكون أطول من أطول منها.
وذهب بعضهم إلى إطالة القراءة فيهما، وهو قول أكثر الحنفية، ونُقِل عن النخعي، وأورد البيهقيّ فيه حديثًا مرفوعًا، من مرسل سعيد بن جبير، وفي سنده راو لم يسمّ.
وخَصَّ بعضهم ذلك بمن فاته شيء من قراءته في صلاة الليل، فيستدركها في ركعتي الفجر، ونُقِل ذلك عن أبي حنيفة، وأخرجه ابن أبي شيبة بسند صحيح عن الحسن البصريّ.
واستُدِلّ به على الجهر بالقراءة في ركعتي الفجر، ولا حجة فيه؛ لاحتمال أن يكون ذلك عُرف بقراءته بعض السورة، كما ثبت في صفة صلاته -صلى اللَّه عليه وسلم- من حديث أبي قتادة في صلاة الظهر:"ويسمعنا الآية أحيانًا"، ويدلّ على ذلك أن في رواية ابن سيرين المذكورة:"يسرّ فيهما القراءة"، وقد صححه ابن عبد البرّ.
واستدلّ بالأحاديث المذكورة من قال: لا يتعيّن قراءة الفاتحة في الصلاة؛ لأنه لم يذكرها مع سورتي الإخلاص.
وتُعُقِّب بأنه ترك ذكر الفاتحة لوضوح الأمر فيها، ويؤيده قول عائشة -رضي اللَّه عنها-: "لا أدري أقرأ الفاتحة، أم لا"، فإنه يدلّ على أن الفاتحة كان مقرَّرًا عندهم أنه لا بد من قراءتها. انتهى ما في "الفتح" بتصرف (١)، وهو بحثٌ مفيدٌ.
قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: قد تبيّن بما ذُكر أن تخفيف ركعتي الفجر هو المستحب، وأن قراءة الفاتحة لا بدّ منها، ويقرأ معها أحيانًا السورتين المذكورتين في حديث الباب، أو الآيتين المذكورتين فيه أيضًا، وأما القول بالاقتصار على الفاتحة، فمردودٌ بالأحاديث الصحيحة المذكورة في هذا وغيره، وكذا القول بعدم القراءة أصلًا باطلٌ؛ لمنابذته الأحاديث الصحيحة الموجبة لقراءة فاتحة الكتاب، ولاستحباب السورتين، أو الآيتين اللتين ذُكرتا في هذا