وقال القاضي عياض -رَحِمَهُ اللَّهُ-: معناه أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لَحِقَه مشقّة من القيام لِحَطْم الناس، وللسنّ، فكان أجره تامًّا، بخلاف غيره، ممن ليس له عذر.
وردّ عليه النوويّ، فقال: هذا ضعيف، أو باطل؛ لأنَّ غيره -صلى اللَّه عليه وسلم- إن كان معذورًا، فثوابه أيضًا كامل، وإن كان قادرًا على القيام، فليس هو كالمعذور، فلا يبقى فيه تخصيص، فلا يحسن على هذا التقدير:"لست كأحد منكم"، وإطلاق هذا القول، فالصواب ما قاله أصحابنا أن نافلته -صلى اللَّه عليه وسلم- قاعدًا مع القدرة على القيام ثوابها كثوابه قائمًا، وهو من الخصائص، واللَّه أعلم. انتهى كلام النوويُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١).
قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: هذا الذي ردّ به النوويّ كلام عياض هو الصواب عندي.
وحاصله أن من صلى قاعدًا لعذر، فله الأجر كاملًا، سواء النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، أو غيره، فلا خصوصية له في ذلك، إنما الخصوصية له فيما إذا صلى قاعدًا من غير عذر، فإن له الأجر كاملًا.
ودليل ثبوت الأجر كاملًا للمعذور مطلقًا ما أخرجه البخاريُّ في "كتاب الجهاد" من طريق إبراهيم السَّكْسَكيّ، قال: سمعت أبا بُرْدَة، واصطَحَب هو ويزيد بن أبي كبشة، في سفر، فكان يزيد يصوم في السفر، فقال له أبو بردة: سمعت، أبا موسى مرارًا، يقول: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا مرض العبد، أو سافر، كتب له مثل ما كان يعمل مقيمًا صحيحًا". انتهى.
فهذا نصّ صريح في أن من ترك القيام لعذر يُكتب له ثواب من صلّى قائمًا كاملًا، فتبصّر، واللَّه تعالى أعلم.
[تنبيه]: قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: اختَلَف العلماء في الأفضل من كيفية القعود موضع القيام في النافلة، وكذا في الفريضة إذا عَجَز، وللشافعي قولان: أظهرهما يقعد مُفترشًا، والثاني متربعًا، وقال بعض أصحابنا: متوركًا، وبعض أصحابنا: ناصبًا ركبتيه، وكيف قعد جاز، لكن الخلاف في الأفضل، والأصح عندنا جواز التنفل مضطجعًا للقادر على القيام والقعود؛ للحديث الصحيح في