قال الجامع عفا اللَّه عنه: عندي الأقرب أن قول من قال: إن وضع عبد اللَّه بن عمرو -رضي اللَّه عنهما- يده على رأسه -صلى اللَّه عليه وسلم- إنما من غير قصد؛ لسبب من الأسباب، بأن كان ليلًا، أو لغير ذلك، وهذا هو اللائق بحال مثله من أفاضل الصحابة -رضي اللَّه عنهم- الذين هم في أعلى درجات التعظيم للنبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وإنما يليق هذا بالوافدين من الأعراب أهل البادية، كما قيل في توجيه فعل جبريل -عليه السلام- أنه إنما فعل ذلك تعميةً لحاله، حتى يظن الصحابة أنه رجلٌ من أهل البادية، فتأمّل، واللَّه تعالى أعلم بالصواب.
(فَقَالَ) -صلى اللَّه عليه وسلم- ("مَا لَكَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو؟ ") "ما" تعجّبيّة؛ أي: ما شأنك، وماذا عرض لك؟ (قُلْتُ: حُدِّثْتُ) بالبناء للمفعول (يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَّكَ قُلْتَ:"صَلَاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا عَلَى نِصْفِ الصَّلَاةِ") أي: قائمًا (وَأَنْتَ تُصَلِّي قَاعِدًا) أي: فكيف اخترت نقصان الأجر مع شدّة حرصك على تكثيره؟ (قَالَ) -صلى اللَّه عليه وسلم- ("أَجَلْ) بفتحتين، وسكون اللام: مثلُ نعم وزنًا ومعنًى، وهي أحسن في مثل هذا من "نعم"؛ أي: نعم قد قلت ذلك.
وقال الطيبيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: "أجل" قول بالموجِب، وتقريرٌ لما قال، وقوله: "ولكني لست كأحدكم" إشارة إلى بيان الفرق بينه -صلى اللَّه عليه وسلم- وبين غيره، ورفع لجهة الإشكال والاستغراب. انتهى (١).
(وَلَكِنِّي لَسْتُ كَأَحَدٍ مِنْكُمْ") أي: لست مثلكم في كون ثواب صلاتي قاعدًا على النصف من صلاتي قائمًا، بل هو كصلاتي قائمًا، لا ينقص منه شيء.
قال النوويُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هو عند أصحابنا من خصائصه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فجُعلت نافلته قاعدًا مع القدرة على القيام كنافلته قائمًا، تشريفًا له، كما خُصّ بأشياء معروفة في كتب أصحابنا، وقد استقصيتها في أول "كتاب تهذيب الأسماء واللغات".
قال الجامع عفا اللَّه عنه: قد سبق أن ذكرت من "ألفيّة السيرة" للحافظ العراقيّ الباب الذي عقده لبيان خصائصه -صلى اللَّه عليه وسلم-، في أبواب المساجد، برقم [١١٦٨](٥٢١)، عند شرح حديث:"أُعطيتُ خمسًا لم يُعطهنّ أحد قبلي. . ." الحديث، فراجعه تستفد، وباللَّه تعالى التوفيق.