للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

"ما لك يا عبد اللَّه بن عمرو؟ "، فسمّاه، ونسبه إلى أبيه، وكذلك قول عبد اللَّه في الجواب: "وأنت تصلي قاعدًا"، فإنه حال مقرّرة لجهة الإشكال، ونحوه قول الملائكة: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ} الآية [البقرة: ٣٠]. انتهى (١).

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: "فوضعت يدي على رأسه" هذا يدلّ على عظيم تواضع النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وحنانه، وحسن أخلاقه، وأنه كان مع خاصّة أصحابه فيما يرجع إلى المعاشرة والمخالطة كواحد منهم؛ إذ كان يُباسطهم ويُمازحهم، ويكون معهم في عملهم، ولا يستأثر عليهم، ولا يترفّع عنهم، ولذلك كانت الأمة من إماء أهل المدينة تأخذ بيده، وتنطلق به حيث شاءت، ويجلس يُحدّثها حيث أرادت، ومن كانت هذه حاله، فلا يُستنكر من بعض أصحابه أن يُعامله بمثل ذلك في بعض الأحوال، سيّما وكان مقصود عبد اللَّه أن يُقبِل عليه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حتى يُجيبه عمّا وقع في خاطره من هذا الأمر الدينيّ المهمّ في حقّه، واللَّه تعالى أعلم.

وهذا كلّه على ما صحّ عندنا من الرواية "على رأسه"، وظاهره أنه عائد على النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقد ذُكر لي أن بعض الناس رواه "رأسيه"، فألحق به ياء المتكلّم، وهاء السكت، ووجهُها واضحٌ لو ثبت، وأظنّ أنه إصلاح ورأيٌ، لا روايةٌ، ويقرُبُ من فعل عبد اللَّه فعل جبريل -عليه السلام- معه -صلى اللَّه عليه وسلم-، حيث أسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفّيه على فخذيه، على قول من قال: إنه أراد فخذي النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهو الصحيح (٢). انتهى كلام القرطبيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (٣).


(١) "الكاشف عن حقائق السنن" ٤/ ١٢١٧.
(٢) كتب في حاشية "المفهم" (٢/ ٣٧٢) ما نصّه: قد ثبت في هذه القصّة أن وضع عبد اللَّه يده على رأس رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إنما كان في الليل في ظلمة، من غير قصد من عبد اللَّه، وإنما وقعت يده على رأسه -صلى اللَّه عليه وسلم- بغير تعمّد، وهذا هو الحقّ، واللَّه أعلم، انتهى.
قال الجامع: لو صحّ هذا لكان حسنًا، لكن من أين له الصحّة؟ واللَّه تعالى أعلم.
(٣) "المفهم" ٢/ ٣٧١ - ٣٧٢.