للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أصحابنا، فيتعيّن حمل الحديث في تنصيف الثواب على من صلى النفل قاعدًا مع قدرته على القيام. هذا تفصيل مذهبنا، وبه قال الجمهور في تفسير هذا الحديث، وحكاه القاضي عياض -رَحِمَهُ اللَّهُ- عن جماعة، منهم الثوريّ، وابن الماجشون، وحُكي عن الباجيّ، من أئمة المالكية أنه حمله على المصلي فريضة لعذر، أو نافلةً لعذر، أو لغير عذر، قال: وحمله بعضهم على من له عذر، يرخّص في القعود في الفرض والنفل، ويمكنه القيام بمشقّة. انتهى كلام النوويُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١).

(قَالَ) عبد اللَّه -رضي اللَّه عنه- (فَأَتَيْتُهُ) أي: أتيت النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- (فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي) حال كونه (جَالِسًا، فَوَضَعْتُ يَدِي) الظاهر أنه إنما فعل ذلك بعد فراغه -صلى اللَّه عليه وسلم- من الصلاة؛ إذ ما يُظنّ به ذلك قبله (٢).

(عَلَى رَأْسِهِ) أي: رأسه -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ ليتوجّه إليه، وكأنه كان هناك مانع من أن يحضر بين يديه، ومثل هذا لا يُسمّى خلاف الأدب عند طائفة العرب؛ لعدم تكلّفهم، وكمال تألّفهم، قاله القاري -رَحِمَهُ اللَّهُ-.

وقيل: هذا على عادة العرب فيما يعتنون به.

وقيل: كان ذلك في عادتهم فيما يستغربونه، ويتعجّبون منه، كفعل المستغرب للشيء المتعجّب من وقوعه مع من استغرب منه، ونظيره أن بعض العرب كان ربّما لمس لحيته الشريفة عند مفاوضته معه.

وقيل: صدر ذلك عنه من غير قصد منه؛ استغرابًا وتعجّبًا، ذكره في "المرعاة" (٣).

وقال الطيبيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: [فإن قلت]: أليس هذا على خلاف ما يجب عليه من توقيره -صلى اللَّه عليه وسلم-؟.

[قلت]: لعلّ ذلك صدر لا عن قصد منه، وإنه لَمّا وجده -صلى اللَّه عليه وسلم- على خلاف ما حُدِّث عنه من قوله: "صلاة الرجل قاعدًا نصف الصلاة"، استَغْرب ذلك، واستبعده، فأراد تحقيق ذلك، فوضع يده على رأسه، ولذلك أنكره -صلى اللَّه عليه وسلم- بقوله:


(١) "شرح النوويّ" ٦/ ١٥.
(٢) "المرعاة" ٤/ ٢٥٤.
(٣) "المرعاة شرح المشكاة" ٤/ ٢٥٤.