للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إحدى عشرة، تريد صلاته المعتادة الغالبة، وإن كان ربما يزيد في بعض الأوقات على ذلك، فقصدت في تلك الرواية الإخبارَ عن غالب صلاته -صلى اللَّه عليه وسلم-، وذكرت في هذه الرواية أكثر ما كانت تنتهي إليه صلاته -صلى اللَّه عليه وسلم- في الأغلب.

[والوجه الثاني]: أن تكون -رضي اللَّه عنها- تقصد في بعض الأوقات الإخبارَ عن جميع صلاته -صلى اللَّه عليه وسلم- في ليلة، وتقصد في وقت ثانٍ إلى ذكر نوع من صلاته في الليل، وجميع صلاته -صلى اللَّه عليه وسلم- بالليل في حديث عائشة -رضي اللَّه عنها- خمس عشرة ركعةً، مع الركعتين الخفيفتين، وركعتي الفجر، فعائشة -رضي اللَّه عنها- كانت تخبر بالأمر على وجوه شتَّى، ولعلّ ذلك يكون على قدر أسباب السؤال. انتهى.

وقال القرطبيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: أشكلت روايات عائشة -رضي اللَّه عنها- على كثير من أهل العلم، حتى نَسَبَ بعضهم حديثها إلى الاضطراب، وهذا إنما يتمّ لو كان الراوي عنها واحدًا، أو أخبرت هي عن وقت واحد، والصواب أن كل شيء ذكرته من ذلك محمولٌ على أوقات متعدّدة، وأحوال مختلفة، بحسب النشاط، وبيان الجواز. انتهى (١).

وقال الإمام ابن حبَّان -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "صحيحه" (٦/ ٣٦٥): هذه الأخبار ليس بينها تضادّ، وإن تباينت ألفاظها ومعانيها من الظاهر؛ لأنَّ المصطفى -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يصلي بالليل على الأوصاف التي ذُكِرت عنه ليلة بنعت، وأخرى بنعت آخر، فأَدَّى كل إنسان منهم ما رَأَى منه، وأخبر بما شاهد، واللَّه جلَّ وعلا جعل صفيَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- معلمًا لأمته، قولًا، وفعلًا، فدلّنا تباين أفعاله في صلاة الليل على أن المرء مُخَيَّر بين أن يأتي بشيء من الأشياء التي فعلها -صلى اللَّه عليه وسلم- في صلاته بالليل، دون أن يكون الحكم له في الاستنان به في نوع من تلك الأنواع، لا الكل. انتهى كلام ابن حبَّان -رَحِمَهُ اللَّهُ-.

قال الجامع عفا اللَّه عنه: قد تبيّن بما سبق أن الاختلاف في حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-، وكذا في حديث غيرها في صلاته -صلى اللَّه عليه وسلم- بالليل محمول على اختلاف الأوقات، أو على عدّ ركعتي الفجر، أو الركعتين الخفيفتين اللتين يبدأ بهما صلاته بالليل من جملة صلاته، وأما قولها: "لا يزيد على إحدى عشرة ركعةً"


(١) راجع: "المرعاة شرح المشكاة" ٤/ ١٧١.