للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال: وظنّ بعض الناس أن الضيافة ثلاثة أيام بعد اليوم والليلة الأولى، وردّه أحمد بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "الضيافة ثلاثة أيام، فما زاد فهو صدقة"، ولو كان كما ظَنّ هذا لكان أربعة.

قلت (١): ونظير هذا قوله تعالى: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} إلى قوله: {وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ} [فصلت: ٩ - ١٠]، والمراد في تمام الأربعة.

وهذا الحديث الذي احتَجّ به أحمد قد تقدم من حديث أبي شُرَيح - رضي الله عنه -، وخرّجه البخاري من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليحسن قِرَى الضيف"، قيل: يا رسول الله، وما قِرَى الضيف؟ قال: "ثلاثة، فما كان بعدُ فهو صدقة".

قال حُميد بن زنجويه: عليه أن يتكلف له في اليوم والليلة، من الطعام أطيب ما يأكله هو وعياله، وفي تمام الثالث يطعمهم من طعامه، وفي هذا نظر، وسنذكر حديث سلمان - رضي الله عنه - بالنهي عن التكلّف للضيف.

ونَقَل أشهب عن مالك قال: جائزته يوم وليلة، يكرمه، ويتحفه، ويخصّه يومًا وليلة، وثلاثة أيام ضيافة.

وكان ابن عمر يمتنع من الأكل من مال من نَزَل عليه فوق ثلاثة أيام، ويأمر أن يُنفَقَ عليه من ماله، ولصاحب المنزل أن يأمر الضيف بالتحول عنه بعد الثلاث؛ لأنه قَضَى ما عليه، وفَعَلَ ذلك الإمام أحمد رَحِمَهُ اللهُ.

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يحل له أن يَثْوِيَ عنده حتى يُحْرِجه"، يعني يقيم عنده حتى يُضَيِّق عليه، لكن هل هذا في الأيام الثلاثة، أم فيما زاد عليها؟ فأما فيما ليس بواجب فلا شكّ، وأما ما هو واجب، وهو اليوم والليلة (٢)، فَيُبْنَى على أنه هل تجب الضيافة على من لا يجد شيئًا، أم لا تجب إلا على من وَجَدَ ما يُضيف به؟ فإن قيل: إنها لا تجب إلا على من يجد ما يضيف به، وهو قول طائفة من أهل الحديث، منهم حُمَيد بن زنجويه، لم يَحِلّ للضيف أن يستضيف


(١) القائل ابن رجب.
(٢) قد سبق ترجيح القول بوجوبها ثلاثة أيام، فلا تغفل.