للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

من هو عاجز عن ضيافته، وقد رُوِي من حديث سلمان - رضي الله عنه - قال: نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نتكلف للضيف ما ليس عندنا (١)، فإذا نُهِي الْمُضِيف أن يتكلف للضيف ما ليس عنده دلّ على أنه لا تجب عليه المواساة للضيف، إلا بما عنده، فإذا لم يكن عنده فَضْلٌ لم يلزمه شيء، وأما إذا آثر على نفسه، كما فَعَل الأنصاري الذي نَزَل فيه: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: ٩]، فذلك مَقَام فضل وإحسان، وليس بواجب، ولو عَلِم الضيف أنهم لا يُضيفونه إلا بقوتهم وقوت صبيانهم، وأن الصبية يتأذون بذلك، لم يجز له استضافتهم حينئذ؛ عملًا بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ولا يحل له أن يقيم عنده حتى يُحرِجه" (٢).

وأيضا فالضيافة نفقة واجبة، ولا تجب إلا على من عنده فضل عن قوته وقوت عياله، كنفقه الأقارب، وزكاة الفطر.

وقد أنكر الخطابي تفسير تأثيمه بأن يقيم عنده، ولا شيء له يَقريه به، وقال: أراه غَلَطًا، وكيف يأثم في ذلك، وهو لا يتسع لقراه، ولا يجد سبيلًا إليه؟ وإنما الكلفة على قدر الطاقة، قال: وإنما وجه الحديث أنه كره له المقام عنده بعد ثلاث؛ لئلا يَضِيق صدره بمكانه، فتكون الصدقة منه على وجه الْمَنّ والأذى، فيبطل أجره.

وهذا الذي قاله فيه نظر، فإنه قد صَحَّ تفسيره في الحديث بما أنكره، وإنما وجهه أنه أقام عنده، ولا شيء له يَقرِيه به، فربما دعاه ضِيق صدره به، وحَرَجه إلى ما يأثم به في قول أو فعل، وليس المراد أنه يأثم بترك قراه، مع عجزه عنه، والله تعالى أعلم. انتهى كلام ابن رجب رحمه الله تعالى (٣)، وهو تحقيقٌ نفيسٌ، وبحثٌ أنيس، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.


(١) رواه أحمد ٥٤٤١، والطبرانيّ في "الكبير" (٦٠٨٣ و ٦٠٨٤ و ٦٠٨٥ و ٦١٨٧). قال الهيثمي في "المجمع" ٨/ ١٧٩: أحد أسانيد "الكبير" رجاله رجال الصحيح.
(٢) متفقٌ عليه.
(٣) "جامع العلوم والحكم" ١/ ٣٣٢ - ٣٦٠.