للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: إنما هَمّ سعد أن لا يسأل أحدًا حتى يموت؛ استقصارًا لفهمه؛ إذ لم يَفهم ذلك من القرآن مع وُضوح ذلك المعنى فيه، وإنهاضًا لهمّته للبحث عن معاني القرآن، واكتفاءً بذلك عن سؤال أحد من أهل العلم. انتهى (١).

(ثُمَّ بَدَا لِي) أي: ظهر لي، أن أسأل عائشة -رضي اللَّه عنها- عن غير ما أحالتني على القرآن، وهو خلق رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (فَقُلْتُ: أَنْبئِينِي) أي: أخبريني (عَنْ قِيَامِ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-) أي: تهجّده بصلاة الليل (فَقَالَتْ: أَلَسْتَ تَقْرَأُ: {يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (١) قُلْتُ: بَلَى) أي: قرأتها (قَالَتْ: فَإِنَّ اللَّهَ -عزَّ وجلَّ- افْتَرَضَ) وفي نسخة: "قد افترض" (قِيَامَ اللَّيْلِ فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ) أي: في قوله تعالى: {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (٢)} (فَقَامَ نَبِيُّ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَأَصْحَابُهُ حَوْلًا) أي: سَنَة، قال في "المصباح": حال حَوْلًا، من باب قال: إذا مضى، ومنه قيل للعام: حَوْلٌ، ولو لم يَمْضِ؛ لأنه سيكون تسميةً بالمصدر، والجمع أحوال. انتهى (٢).

وفي رواية النسائيّ: " فَقَامَ نَبِيُّ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وَأَصْحَابُهُ، حَوْلًا حَتَّى انْتَفَخَتْ أَقْدَامُهُمْ" أي: من طول قيامهم.

قال القرطبيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قولها: إن النسخ كان بعد حول، خولفت في ذلك، فقيل: بعد عشر سنين، قال عياض: وهو الظاهر؛ لأن السورة مكيّة، ومن أوّل ما نزل من القرآن، إلا الآيتين آخرها، نزلتا بالمدينة، وهذا الذي قاله صحيح، فصحيح الأحاديث، والنقلِ المشهور على ما قدّمناه في "كتاب الإيمان". انتهى كلام القرطبيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (٣).

(وَأَمْسَكَ اللَّهُ خَاتِمَتَهَا) أي: آخر هذه السورة، وهو قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ} الى آخر السورة [المزمل: ٢٠] (اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا) وهو معنى قولها: "حولًا" (فِي السَّمَاءِ، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ فِي آخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ التَّخْفِيفَ) أي: أنزل تخفيف فرضيّة قيام الليل بنسخه بقوله تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} الآية (فَصَارَ قِيَامُ اللَّيْلِ تَطَوُّعًا بَعْدَ فَرِيضَةٍ) وفي رواية النسائيّ: "بعد أن كان فريضة".


(١) "المفهم" ٢/ ٣٧٨.
(٢) "المصباح المنير" ١/ ١٥٧.
(٣) "المفهم" ٢/ ٣٧٩.