للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بأن جماعة رووه هكذا مرفوعًا، وجماعة رووه موقوفًا، وهذا التعليل فاسدٌ، والحديث صحيحٌ، وإسناده صحيح أيضًا، وقد سبق بيان هذه القاعدة في الفصول السابقة في مقدمة هذا الشرح، ثم في مواضع بعد ذلك، وبَيّنّا أن الصحيح، بل الصواب الذي عليه الفقهاء والأصوليون، ومحققو المحدثين أنه إذا رُوِي الحديث مرفوعًا وموقوفًا، أو موصولًا ومرسلًا، حُكِم بالرفع والوصل؛ لأنها زيادة ثقة، وسواء كان الرافع والواصل أكثر، أو أقل في الحفظ والعدد، واللَّه أعلم. انتهى كلام النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: هذا الذي قاله النوويّ من أن المحققين على ترجيح الرفع والوصل مطلقًا قد أسلفنا ردّه، وأن النقّاد من محققي المحدثين إنما يرجّحون حسب القرائن، فتارةً يَرجحون هذا، وتارة يرجحون العكس، فصنيعهم جارٍ حسب القرائن، فتنبّه لهذه الدقائق.

لكن حديث الباب صحيح كما قال، وليس للقاعدة المطلقة التي ذكرها، وإنما لوجود ما ذكرناه، مما يرجّح الرفع، وذلك لأن يونس لم ينفرد برفعه، بل تابعه عليه عُقيل عند ابن خزيمة في "صحيحه" ٢/ ١٩٥ رقم (١١٧١)، وكذا عند أبي عوانة في "مسنده" ٢/ ١٤ رقم (٢١٣٦).

وأيضًا الوقف في مثل هذا له حكم الرفع؛ لأن مثل هذا مما لا يُنال بالرأي.

وأيضًا يشهد لمتنه حديثُ عائشة -رضي اللَّه عنها- المتقدّم: "كان -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا نام من الليل، أو مرض. . . " الحديث، فبهذه القرائن ترجّح الرفع على الوقف، ولذا أخرجه المصنّف -رَحِمَهُ اللَّهُ- هنا، فتبصّر (٢)، واللَّه تعالى الهادي إلى سواء السبيل.

("مَنْ) شرطيّةٌ (نَمامَ عَنْ حِزْبِهِ) -بكسر الحاء المهملة، وسكون الزاي المعجمة-: الوِرْد الذي يعتاده الشخص، من صلاة، وقراءة، وغير ذلك، قاله في "المصباح"، وقال السيوطيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: الحزب هو الجزء من القرآن يصلي به،


(١) "شرح النووي" ٦/ ٢٩.
(٢) قد أجاد الكلام في هذا الحديث الشيخ ربيع بن هادي في كتابه: "بين الإمامين: مسلم والدارقطنيّ"، فراجعه تستفد (ص ١٥٦ - ١٦٣).