للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فمنهم: من حمله على ظاهره وحقيقته، وهم المشبِّهة، تعالى اللَّه عن قولهم.

ومنهم: من أنكر صحة الأحاديث الواردة في ذلك جملةً، وهم الخوارج والمعتزله، وهو مكابرةٌ، والعجب أنهم أوَّلُوا ما في القرآن من نحو ذلك، وأنكروا ما في الحديث، إما جهلًا، وأما عنادًا.

ومنهم: من أجراه على ما ورد، مؤمنًا به على طريق الإجمال، مُنَزِّهًا اللَّه تعالى عن الكيفية والتشبيه، وهم جمهور السلف، ونقله البيهقيّ وغيره عن الأئمة الأربعة، والسفيانين، والحمادين، والأوزاعيّ، والليث، وغيرهم.

ومنهم: من أوّله على وجه يَلِيق، مستعملٍ في كلام العرب، ومنهم من أفرط في التأويل، حتى كاد أن يخرج إلى نوع من التحريف، ومنهم من فَصَّل بين ما يكون تأويله قريبًا مستعملًا في كلام العرب، وبين ما يكون بعيدًا مهجورًا، فأوَّل في بعض، وفَوَّض في بعض، وهو منقول عن مالك، وجزم به من المتأخرين ابن دقيق العيد، قال البيهقيّ: وأسلمها الإيمان بلا كيف، والسكوت عن المراد، إلا أن يرد ذلك عن الصادق، فيصار إليه، ومن الدليل على ذلك اتفاقُهم على أن التأويل المعيَّن غير واجب، فحينئذ التفويض أسلم (١).

ثم ذكر عن ابن العربيّ تأويلًا تركت ذكره؛ لأنه مما لا ينبغي الاشتغال به؛ لمخالفته ظواهر النصوص، ولما ثبت عن السلف -رضي اللَّه عنهم-، على ما سيأتي بيانه في المسألة الرابعة -إن شاء اللَّه تعالى-.

ثم قال: وقد حَكَى أبو بكر بن فورك أن بعض المشايخ ضبطه بضم أوله، على حذف المفعول؛ أي: يُنْزِل ملكًا، ويقويه ما رواه النسائيّ من طريق الأغرّ، عن أبي هريرة، وأبي سعيد، بلفظ: "إن اللَّه يُمْهِل حتى يَمْضِي شطر الليل، ثم يأمر مناديًا يقول: هل من داعٍ، فيستجاب له. . . " الحديث.

وفي حديث عثمان بن أبي العاص: "ينادي منادٍ: هل من داع يستجاب له. . . " الحديث.


(١) "الفتح" ٣/ ٥٤٨ - ٥٤٩.