للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال يحيى بن إبراهيم بن مزين: إنما كَرِهَ مالك أن يتحدث بتلك الأحاديث؛ لأن فيها حدًّا وصفةً وتشبيهًا، والنجاة في هذا الانتهاء إلى ما قال اللَّه عزَّ وجلَّ، ووصف به نفسه، بوجه، ويدين، وبسط، واستواء، وكلام، فقال: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: ١١٥]، وقال: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة: ٦٤]، وقال: {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: ٦٧]، وقال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (٥)} [طه: ٥].

فليقل قائل بما قال اللَّه، ولينته إليه، ولا يَعْدُوه، ولا يُفَسّره، ولا يقل: كيف، فإن في ذلك الهلاك؛ لأن اللَّه كَلَّف عبيده الإيمان بالتنزيل، ولم يكلفهم الخوض في التأويل، الذي لا يعلمه غيره.

وقد بلغني عن ابن القاسم أنه لم ير بأسًا برواية الحديث: "إن اللَّه ضحك"، وذلك لأن الضحك من اللَّه، والتنزل، والملالة، والتعجب منه ليس على جهة ما يكون من عباده.

قال أبو عمر -رَحِمَهُ اللَّهُ-: الذي أقول: إنه من نظر إلى إسلام أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليّ، وطلحة، وسعد، وعبد الرحمن، وسائر المهاجرين والأنصار، وجميع الوفود الذين دخلوا في دين اللَّه أفواجًا، عَلِمَ أن اللَّه عزَّ وجلَّ لم يَعْرِفه واحد منهم إلا بتصديق النبيين بأعلام النبوة، ودلائل الرسالة، لا من قِبَل حركة، ولا من باب الكل والبعض، ولا من باب كان ويكون، ولو كان النظر في الحركة والسكون عليهم واجبًا، وفي الجسم ونفيه، والتشبيه ونفيه، لازمًا ما أضاعوه، ولو أضاعوا الواجب ما نطق القرآن بتزكيتهم وتقديمهم، ولا أطنب في مدحهم وتعظيمهم، ولو كان ذلك مِن عَمَلهم مشهورًا، أو من أخلاقهم معروفًا، لاستفاض عنهم، ولشُهِروا به، كما شهروا بالقرآن والروايات، وقول رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ينزل ربنا إلى السماء الدنيا" عندهم مثل قول اللَّه عزَّ وجلَّ: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ} [الأعراف: ١٤٣]، ومثل قوله: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (٢٢)} [الفجر: ٢٢]، كلهم يقول: ينزل، ويتجلى، ويجيء بلا كيف، لا يقولون: كيف يجيء؟، وكيف يتجلى؟، وكيف ينزل؟، ولا من أين جاء؟، ولا من أين تجلى؟، ولا من أين ينزل؟؛ لأنه ليس كشيء من خلقه، وتعالى عن الأشياء، ولا شريك له. انتهى المقصود من