كلام الحافظ ابن عبد البرُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١).
قال الجامع عفا اللَّه عنه: لقد أجاد الحافظ أبو عمر -رَحِمَهُ اللَّهُ- في هذا التحقيق، وأفاد، فقد بيّن في هذا التحقيق أن مذهب جمهور العلماء من السلف والمحقّقين من الخلف أنه يجب الإيمان بما ورد في الكتاب والسنّة الصحيحة، مما وصف اللَّه تعالى به نفسه، أو وصفه به رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-، كالنزول، والاستواء، والمجيء، والقبض والبسط، وكالوجه واليد، والقدم، والساق، وكالتعجب، والضحك، والغضب، إلى غير ذلك، مما صحّ في نصوص الكتاب والسنّة الصحيحة، على حقيقته، لا على وجه المجاز، بل نؤمن بها كما وردت، من غير تشبيه ولا تمثيل، ومن غير تعطيل ولا تأويل.
وقد أسلفت أن مراد من قال من السلف: ولا تفسّروها أراد التفسير المؤدّي إلى تكييفها.
قال الإمام الترمذيُّ في كتاب الزكاة من "جامعه" بعد إخراج حديث: "إن اللَّه يقبل الصدقة، ويأخذها بيمينه. . . " الحديث، ما نصّه: وقد قال غير واحد من أهل العلم في هذا الحديث، وما يشبه هذا من الروايات، من الصفات، ونزول الرب تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا، قالوا: قد تثبت الروايات في هذا، ويُؤْمَن بها، ولا يتوهم، ولا يقال: كيف، هكذا روي عن مالك، وسفيان بن عيينة، وعبد اللَّه بن المبارك، أنهم قالوا في هذه الأحاديث: أَمِرُّوها بلا كيف، وهكذا قول أهل العلم، من أهل السنة والجماعة.
وأما الجهمية، فأنكرت هذه الروايات، وقالوا: هذا تشبيه، وقد ذكر اللَّه عزَّ وجلَّ في غير موضع من كتابه اليد، والسمع، والبصر، فتأولت الجهمية هذه الآيات، ففسَّروها على غير ما فَسَّر أهل العلم، وقالوا: إن اللَّه لم يخلق آدم بيده، وقالوا: إن معنى اليد ها هنا القوّة.
وقال إسحاق بن إبراهيم: إنما يكون التشبيه إذا قال: يد كيد، أو مثل يد، أو سمع كسمع، أو مثل سمع، فإذا قال: سمع كسمع، أو مثل سمع،