للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والجواب عن ذلك يأتي في قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- حكايةً عن اللَّه عزَّ وجلَّ أنه قال في أهل بدر: "اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم".

ومُحَصَّل الجواب أنه قيل: إنه كناية عن حفظهم من الكبائر، فلا تقع منهم كبيرة بعد ذلك، وقيل: إن معناه أن ذنوبهم تقع مغفورةً، وبهذا أجاب جماعةٌ، منهم الماورديّ في الكلام على حديث صيام عرفة، وأنه يُكَفِّر سنتين: سنةً ماضيةً، وسنة آتيةً. انتهى كلام الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ-.

وقال وليّ الدين -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "شرح التقريب" ما نصّه: في "مسند أحمد"، و"معجم الطبرانيّ الكبير"، عن عبادة بن الصامت -رضي اللَّه عنه- أنه سأل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن ليلة القدر، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "في رمضان"، فذكر الحديث، وفيه: "فمن قامها ابتغاءها إيمانًا واحتسابًا، ثم وُفِّقت له، غُفِر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر"، وفيه عبد اللَّه بن محمد بن عقيل، وحديثه حسن.

وفيه زيادة: "وما تأخر"، وقد يُستشكَل معنى مغفرة ما تأخر من الذنوب، وهو كقوله -صلى اللَّه عليه وسلم- في حديث أبي قتادة -رضي اللَّه عنه-: "صيام عرفة أحتسب على اللَّه أن يكفّر السنة التي قبله، والسنة التي بعده"، فتكفير السنة التي بعده كمغفرة المتأخر من الذنوب، وقد قال السرخسي من أصحابنا الشافعية: اختَلَف العلماء في معنى تكفير السنة المستقبلة، فقال بعضهم: إذا ارتكب فيها معصية جَعَل اللَّه تعالى صوم عرفة الماضي كفارةً لها، كما جعله مُكَفِّرًا لما قبله في السنة الماضية، وقال بعضهم: معناه أن اللَّه تعالى يعصمه في السنة المستقبلة عن ارتكاب ما يُحْوِجه إلى كفارة، وأطلق الماوردي في "الحاوي" في السنتين معًا تأويلين:

أحدهما: أن اللَّه تعالى يغفر له ذنوب سنتين.

والثاني: أنه يعصمه في هاتين السنتين، فلا يَعْصي فيهما.

وقال صاحب "العدّة": في تكفير السنة الأخرى يَحْتَمِل معنيين:

أحدهما: المراد السنة التي قبل هذه، فيكون معناه أنه يكفّر سنتين ماضيتين.

والثاني: أنه أراد سنةً ماضيةً، وسنةً مستقبلةً، قال: وهذا لا يوجد مثله في شيء من العبادات أنه يكفّر الزمان المستقبل، وإنما ذلك خاص