للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يَعْرِف قلبه المعروف، وينكر قلبه المنكر نُكِسَ، فجعل أعلاه أسفله".

وسَمِعَ ابن مسعود - رضي الله عنه - رجلًا يقول: هلك من لم يأمر بالمعروف، ولم ينه عن المنكر، فقال ابن مسعود: هَلَكَ من لم يعرف بقلبه المعروف والمنكر.

يشير إلى أن معرفة المعروف والمنكر بالقلب فرضٌ لا يسقط عن أحد، فمن لم يعرفه هلك.

وأما الإنكار باللسان واليد، فإنما يجب بحسب الطاقة، وقال ابن مسعود - رضي الله عنه -: يوشك من عاش منكم أن يَرَى منكرًا لا يستطيع له، غير أن يَعْلَمَ الله من قلبه أنه له كاره.

وفي "سنن أبي داود" عن الْعُرْس بن عَمِيرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا عُمِلت الخطيئة في الأرض، كان من شَهِدها فكرهها، كمن غاب عنها، ومن غاب عنها فرضيها، كان كمن شهدها" (١).

فمن شَهِد الخطيئة فكرهها في قلبه، كان كمن لم يشهدها، إذا عجز عن إنكارها بلسانه ويده، ومن غاب عنها فرضيها، كان كمن شهدها وقدر على إنكارها ولم ينكرها؛ لأن الرضا بالخطايا من أقبح المحرمات، ويفوت به إنكار الخطيئة بالقلب، وهو فرض على كل مسلم، لا يسقط عن أحد في كل حال من الأحوال.

وخزَج ابن أبي الدنيا من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال "مَن حَضَر معصية فكرهها، فكأنه غاب عنها، ومن غاب عنها فأحبها، فكأنه حضرها" (٢)، وهذا مثل الذي قبله.

فتَبَيَّن بهذا أن الإنكار بالقلب فرض على كل مسلم، في كل حال، وأما الإنكار باليد واللسان، فبحسب القدرة، كما في حديث أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من قوم يُعْمَل فيهم بالمعاصي، ثم يقدرون على أن يغيروا، فلا يُغَيِّروا إلا يوشك الله أن يعمهم بعقابه"، أخرجه أبو داود بهذا


(١) حديث حسن رواه أبو داود (٤٣٤٥).
(٢) رواه البيهقيّ ٧/ ٢٦٦، وابن عديّ في "الكامل" ٧/ ٢٦٨٦، وفيه يحيى بن أبي سليمان، وهو ليّن الحديث، لكن يشهد له حديث العُرْس - رضي الله عنه - المذكور قبله.