للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وكذلك خرّج الإمام أحمد، وابن ماجه، من حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يَحْقِرْ أحدكم نفسه"، قالوا: يا رسول الله، كيف يحقر أحدنا نفسه؟ قال: "يرى أمرًا لله عليه فيه مقال، ثم لا يقول فيه، فيقول الله له: ما منعك أن تقول في كذا وكذا، فيقول: خشيتُ الناس، فيقول الله: إياي كنت أحقَّ أن تخشى" (١).

فهذان الحديثان محمولان على أن يكون المانع له من الإنكار مجرد الهيبة، دون الخوف المسقط للإنكار.

قال سعيد بن جبير: قلت لابن عباس: آمر السلطان بالمعروف، وأنهاه عن المنكر؟ قال: إن خِفْتَ أن يقتلك فلا، ثم عُدت، فقال لي مثل ذلك، ثم عُدت، فقال لي مثل ذلك، وقال: إن كنت لا بُدّ فاعلًا ففيما بينك وبينه.

وقال طاوس: أتى رجل ابن عباس، فقال: ألا أقوم إلى هذا السلطان، فأمره وأنهاه؟ قال: لا تكن له فتنة، قال: أفرأيت إن أمرني بمعصية الله؟ قال: ذلك الذي تريد، فكن حينئذ رجلًا. وقد ذكرنا حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - الذي فيه: "يَخْلُف من بعدهم خُلُوف، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن … " (٢) الحديث، وهذا يدل على جهاد الأمراء باليد.

وقد استنكر الإمام أحمد هذا الحديث في رواية أبي داود، وقال: هو خلاف الأحاديث التي أَمَرَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها بالصبر على جور الأئمة.

وقد يجاب عن ذلك بأن التغيير باليد لا يستلزم القتال، وقد نَصّ على ذلك أحمد أيضًا في رواية صالح، فقال: التغيير باليد ليس بالسيف والسلاح، فحينئذ جهاد الأمراء باليد، أن يزيل بيده ما فَعَلُوه من المنكرات، مثل أن يُريق خمورهم، أو يكسر آلات اللهو التي لهم، أو نحو ذلك، أو يُبطل بيده ما أمروا به من الظلم، إن كان له قدرة على ذلك، وكلُّ ذلك جائز، وليس هو من


(١) رواه أحمد ٣/ ٣٠ و ٤٧ و ٧٣، وابن ماجه (٤٠٠٨)، وفي سنده انقطاع، أبو البختري لم يسمع من أبي سعيد، وأخرجه في ٣/ ٩١ من طريق أبي البختري، عن رجل، عن أبي سعيد.
(٢) أخرجه مسلم في "صحيحه"، وهو الآتي بعد حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - هذا.