للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

باب قتالهم، ولا من الخروج عليهم، الذي وَرَدَ النهي عنه، فإن هذا أكثر ما يُخشَى منه أن يقتله الأمراء وحده، وأما الخروج عليهم بالسيف، فيُخْشَى منه الفتن التي تؤدي إلى سفك دماء المسلمين.

نعم إن خَشِيَ في الإقدام على الإنكار على الملوك أن يؤذي أهله أو جيرانه، لم يَنْبَغِ له التعرض لهم حينئذ؛ لما فيه من تعدي الأذى إلى غيره، كذلك قال الفضيل بن عياض وغيره، ومع هذا متى خاف على نفسه السيف، أو السوط، أو الحبس، أو القيد، أو النفي، أو أخذ المال، أو نحو ذلك من الأذى سَقَطَ أمرهم ونهيهم.

وقد نَصَّ الأئمة على ذلك، منهم: مالك، وأحمد، وإسحاق، وغيرهم، قال أحمد: لا يتعرض إلى السلطان، فإن سيفه مسلول، وقال ابنُ شُبْرُمة: الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، كالجهاد يجب على الواحد أن يصابر فيه الاثنين، ويحرُم عليه الفرار منهما، ولا يجب عليه مصابرة أكثر من ذلك.

فإن خاف السَّبَّ، أو سماع الكلام السيئ، لم يسقط عنه الإنكار بذلك، نَصَّ عليه الإمام أحمد، وإن احتمل الأذى، وقَوِيَ عليه، فهو أفضل، نَصَّ عليه أحمد أيضًا، وقيل له: أليس قد جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "ليس للمؤمن أن يذل نفسه" (١)، أي يُعَرِّضها من البلاء ما لا طاقة له به؟ قال: ليس هذا من ذلك.

ويَدُلّ على ما قاله ما خرّجه أبو داود، وابن ماجه، والترمذيّ من حديث أبي سعيد - رضي الله عنه -، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر" (٢).


(١) حديث صحيح أخرجه الطبراني في "الكبير" (١٣٥٠٧) بلفظ: "لا ينبغي للمؤمن أن يذلّ نفسه"، قيل: يا رسول الله، وكيف يذلّ نفسه؟ قال: "أن يتعرّض من البلاء لما لا يُطيق"، قال الهيثميّ: سنده جيّد. انتهى، وله شاهد من حديث حذيفة - رضي الله عنه - عند أحمد ٥/ ٤٠٥، والترمذيّ (٢٢٥٤)، وابن ماجه (٤٠١٦)، وفيه علي بن زيد بن جدعان، وهو وإن كان ضعيف الحفظ، إلا أنه لا بأس به في الشواهد.
(٢) حديث صحيح.