وفي "سنن أبي داود"(١)، عن عبد الله بن عمرو، قال: بينما نحن جلوس حول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ ذكر الفتنة، فقال:"إذا رأيتم الناس مَرَجَت عهودهم، وخَفَّت أماناتهم، وكانوا هكذا"، وشبّك أصابعه، فقمت إليه، فقلت له: كيف أفعل عند ذلك، جعلني الله فداك؟ فقال:"الزم بيتك، واملك عليك لسانك، وخُذْ بما تَعْرِف، ودَعْ ما تُنْكِرُ، وعليك بأمر خاصّة نفسك، ودع عنك أمر العامّة".
وكذلك رُوِي عن طائفة من الصحابة في قوله تعالى:{عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}[المائدة: ١٠٥]، قالوا: لم يأت تأويلها بعدُ، إنما تأويلها في آخر الزمان.
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: إذا اختلفت القلوبُ والأهواءُ، وأُلْبِستُم شِيَعًا، وذاق بعضُكم بأس بعض، فيأمر الإنسان حينئذ نفسه، فهو حينئذ تأويل هذه الآية.
وعن ابن عمر قال: هذه الآية لأقوام يجيئون من بعدنا، إن قالوا لم يُقْبَل منهم، وقال جُبير بن نفير، عن جماعة من الصحابة قالوا: إذا رأيت شُحًّا مطاعًا، وهَوىً مُتَّبَعًا، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك حينئذ بنفسك، لا يضرُّك من ضلّ إذا اهتديت.
وعن مكحول قال: لم يأت تأويلها بعدُ، إذا هاب الواعظ، وأنكر الموعوظ، فعليك حينئذ بنفسك، لا يضرُّك من ضل إذا اهتديت.
وعن الحسن أنه كان إذا تلا هذه الآية قال: يا لها من ثقةٍ ما أوثقها! ومن سعة ما أوسعها!.
وهذا كُلُّهُ قد يُحْمَلُ على أن مَن عجز عن الأمر بالمعروف، أو خاف الضرر سقط عنه، وكلام ابن عمر يدُلُّ على أن من عَلِم أنه لا يُقْبَل منه لم يجب عليه، كما حُكِيَ روايةً عن أحمد، وكذا قال الأوزاعي: مُرْ مَن تَرَى أن يقبل منك.
(١) رقم (٤٣٤٢)، ورواه أحمد ٢/ ١٦٢، وحسّن إسناده الحافظان: المنذريّ، والعراقيّ، وصححه الحاكم ٤/ ٤٣٥ و ٥٢٥، ووافقه الذهبيّ.