للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقوله - صلى الله عليه وسلم - في الذي ينكر بقلبه: "وذلك أضعف الإيمان" يدُلّ على أن الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، من خصال الإيمان، ويدُلُّ على أن مَن قَدَر على خصلة من خصال الإيمان، وفَعَلَها، كان أفضل ممن تركها عجزًا.

ويدل على ذلك أيضًا قوله - صلى الله عليه وسلم - في حقّ النساء: "أما نقصان دينها؛ فإنها تمكث الأيام والليالي لا تصلي"، يشير إلى أيام الحيض، مع أنها ممنوعة حينئذ من الصلاة، وقد جعل ذلك نقصًا في دينها، فدل على أن مَن قَدَر على واجب وفعله فهو أفضل ممن عجز عنه وتركه، وإن كان معذورًا في تركه، والله تعالى أعلم.

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من رأى منكم منكرًا" يَدُلّ على أن الإنكار متعلق بالرؤية، فإن كان مستورًا فلم يره، ولكن عَلِمَ به، فالمنصوص عن أحمد في أكثر الروايات أنه لا يَتَعَرَّض له، وأنه لا يُفتِّش عما استراب به، وعنه رواية أخرى أنه يَكْشِف الْمُغَطَّى إذا تحقّقه، ولو سَمِعَ صوت غِنَاءٍ محرّم، أو آلات الملاهي، وعَلِمَ المكان الذي هي فيه، فإنه ينكرها؛ لأنه قد تحقّق المنكر، وعَلِمَ موضعه، فهو كما رآه. نَصّ عليه أحمد، وقال: أمّا إذا لم يعلم مكانه، فلا شيء.

وأما تَسَوُّر الجدران على مَن عَلِم اجتماعهم على منكر، فقد أنكره مثلُ سفيان الثوري وغيره، وهو داخل في التجسس المنهيّ عنه، وقد قيل لابن مسعود: إن فلانًا تَقْطُرُ لحيته خمرًا؟ فقال: نهانا الله عن التجسس.

وقال القاضي أبو يعلى في كتاب "الأحكام السلطانية": إن كان في المنكر الذي غَلَب على ظنه الاستسرار به بإخبار ثقة عنه انتهاكُ حرمةٍ يفوت استدراكها كالزنا والقتل، فله التجسس، والإقدام على الكشف والبحث، حَذَرًا من فوات ما لا يُستَدْرَك من انتهاك المحارم، وإن كان دون ذلك في الرتبة، لم يجز التجسس عليه، ولا الكشف عنه.

والمنكر الذي يجب إنكاره، ما كان مُجْمَعًا عليه، فأما المختلف فيه، فمن أصحابنا مَن قال: لا يجب إنكاره على من فعله مجتهدًا، أو مقلدًا لمجتهد تقليدًا سائغًا، واستثنى القاضي في "الأحكام السلطانية" ما ضَعُفَ فيه الخلاف، وإن كان ذَرِيعةً إلى محظور متفَقٍ عليه، كربا النقد، فالخلاف فيه ضعيف، وهو