للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

من بين الحواسّ؛ لأن أكثر الآفات بهما، فإذا خشعا قَلّت الوساوس، ولأنّ تحصيل العلم النقليّ والعقليّ بهما (وَمُخِّي) بضمّ الميم، وتشديد الخاء المعجمة: الْوَدَك الذي في العظم، وخالص كلّ شيء، وقد يُسمّى الدماغ مُخًّا، قاله في "المصباح" (وَعَظْمِي وَعَصَبِي") بفتحتين: أطناب المفاصل، والجمع أعصاب، مثلُ سبب وأسباب.

والمعنى: خضع لك جسمي باطنًا كما خضع ظاهرًا، فكنى بهذه الثلاثة عن الجسم كلّه؛ لأن مدار قوامه عليها، والغرض من هذا كلّه المبالغة في الانقياد والخضوع للَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- (١).

وقال السنديّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- ما حاصله: إسناد الخشوع إلى هذه الأشياء كناية عن كمال الخشوع والخضوع؛ أي: قد بلغ غايته حتى ظهر أثره في هذه الأعضاء، وصارت خاشعةً لربها. انتهى (٢).

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: معناه: أخذ كلُّ عضو من هذه الأعضاء حظّه من الخضوع والتذلّل؛ أي: سكنت، وافتقرت، وإن كان أصل الخشوع في القلب، لكن ثمرته تظهر على الجوارح والأعضاء، فسُمّي بذلك خُشُوعًا، كما قال تعالى: {تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً} الآية [فصلت: ٣٩]؛ أي: متذلّلةً مفتقرةً لما تَحيا به من الماء، أو يكون هذا على سبيل الإغياء (٣) والتشبيه، كما قال [من الكامل]:

لَا عُضْوَ لِي إِلَّا وَفِيهِ مَحَبَّةٌ … فَكَأَنَّ أَعْضَائِي خُلِقْنَ قُلُوبَا

قال: وهذا هو النور الذي دعا به النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في حديث ابن عبّاس -رضي اللَّه عنهما- المتقدّم. انتهى (٤).

(وَإِذَا رَفَعَ قَالَ: "اللَّهُمَّ رَبَّنَا) بنصب ربنا على أنه منادى حذف منه حرف النداء، كما قال الحريري -رَحِمَهُ اللَّهُ- تعالى في "ملحة الإعراب":

وَحَذْفُ يَا يَجُوزُ فِي النِّدَاءِ … كَقَوْلِهِمْ رَبِّ اسْتَجِبْ دُعَائِي

(لَكَ الْحَمْدُ) مبتدأ وخبره، وقُدِّم الخبر لإفادة الحصر، والاختصاص؛


(١) راجع: "المنهل العذب المورود" ٥/ ١٧٠.
(٢) "شرح السندي على النسائيّ" ٢/ ١٩٢.
(٣) هو بلوغ الغاية في الأمر.
(٤) "المفهم" ٢/ ٤٠٢.