للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إلى طاعة ربه بعد معصيته وخطيئته، قاله الأزهريّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١).

وقال الراغب -رَحِمَهُ اللَّهُ-: التَّوْبُ: ترك الذَّنْب على أجمل الوجوه، وهو أبلغ وجوه الاعتذار، فإن الاعتذار على ثلاثة أوجه: إما أن يقول المعتذر: لَمْ أفعل، أو يقول: فعلت لأجل كذا، أو فعلت، وأسأت، وقد أقلعت، ولا رابع لذلك، وهذا الأخير هو التوبة، والتوبة في الشرع: ترك الذَّنْب لقبحه، والندم على ما فَرَطَ منه، والعزيمة على ترك المعاودة، وتدارك ما أمكنه أن يتدارك من الأعمال بالأعمال بالإعادة (٢)، فمتى اجتمعت هذه الأربع، فقد كملت شرائط التوبة. انتهى (٣).

[تنبيه]: قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام -رَحِمَهُ اللَّهُ-: فإن قيل: هذا وعد بطلب المغفرة؛ لأن معنى "أستغفرك" أطلب من اللَّه تعالى المغفرة؛ لأن استفعل لطلب الفعل، فهذا وعد بأنَّا سنطلب منه، ولا يلزم من الوعد بالطلب حصول المطلوب الذي هو الطلب، وكذا "أتوب إليك" وعد بالتوبة، لا أنه توبة في نفسه.

فالجواب أن هذا ليس وعدًا، ولا خبرًا، بل هو إنشاء، والفرق بين الخبر والإنشاء أن الخبر هو الدّالّ على أن مدلوله قد وقع قبل صدوره، أو يقع بعد صدوره، والإنشاء هو اللفظ الدّالّ على أن مدلوله حصل مع آخر حرف منه، أو عقب آخر حرف منه على الخلاف بين العلماء في ذلك. انتهى كلام الشيخ ابن عبد السلام -رَحِمَهُ اللَّهُ- (٤).

(وَإِذَا رَكَعَ قَالَ: "اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ) أي: خضعت لك، لا لغيرك، فمعنى الركوع: هو الخضوع، كما نقله في "اللسان" عن ثعلب، وفي تقديم الجارّ والمجرور في هذه الجمل كلِّها إفادة الحصر والاختصاص (وَبِكَ) لا بغيرك (آمَنْتُ) أي: صدّقت (وَلَكَ) لا لغيرك (أَسْلَمْتُ) أي: ذللتُ، وانقدتُ لطاعتك (خَشَعَ لَكَ) أي: تواضع، وخضع لك لا لغيرك (سَمْعِي) فلا يسمع إلَّا ما أذنت في سماعه (وَبَصَرِي) فلا يُبصر إلَّا ما أذنت في إبصاره، وخصّ السمع والبصر


(١) "شرح غريب ألفاظ الشافعيّ" (ص ٢٢٦).
(٢) هكذا نسخة "مفردات الراغب"، ولعل صواب العبارة بحذف لفظة "بالأعمال"، فليُحرّر.
(٣) "مفردات ألفاظ القرآن" ص ١٦٩.
(٤) نقله السيوطيّ في "زهر الربى شرح المجتبى" ٢/ ١٣١.