للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

نقول بموجب ذلك، ونفرّق بين السمع والأذن، فإن السمع الإدراك الذي في الأذن، لا الأذن، ولأن الوجه لا يتضمّن الأذنين كما تقدّم. انتهى (١).

(تَبَارَكَ اللَّهُ) تقدّس، وتنزّه، وتعالى، وتعاظم اللَّه عزَّ وجلَّ (أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ") بالرفع على أنه بدل من لفظ الجلالة؛ أي: أحسن المصورين والمقدرين، فإنه الخالق الحقيقي المنفرد بالإيجاد والإمداد، وغيره إنما يوجد صورًا مُمَوَّهَةً، ليس فيها شيء من حقيقة الخلق، مع أنه تعالى خالق كل صانع وصنعته، كما قال تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (٩٦)} [الصافات: ٩٦].

وقال العلامة القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: {أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ} أتقن الصانعين، يقال لمن صنع شيئًا: خلقه، قال الشاعر يمدح آخر [من الكامل]:

وَلأَنْتَ تَفْرِي مَا خَلَقْتَ وَبَعْـ … ـضُ الْقَوْمِ يَخْلُقُ ثُمَّ لَا يَفْرِي

قال: وذهب بعض الناس إلى نفي هذه اللفظة عن الناس، وإنما يضاف الخلق إلى اللَّه تعالى.

وقال ابن جريج: إنما قال: {أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ}؛ لأنه تعالى أذن لعيسى عليه السلام أن يخلق. واضطرب بعضهم في ذلك.

ولا تُنفَى اللفظة عن البشر في معنى الصنع، وإنما هي منفية بمعنى الاختراع والإيجاد من العدم. انتهى كلام القرطبيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (٢).

قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: الحاصل أن إطلاق الخلق لغير اللَّه سبحانه وتعالى بمعنى الصنع جائز؛ لوقوعه في كلام اللَّه تعالى، كقوله عزَّ وجلَّ: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون: ١٤] حيث أضاف "أحسن" إلى "الخالقين وكقوله تعالى في تعداد ما أنعم اللَّه على نبيّه عيسى عليه السلام: {وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ} الآية [المائدة: ١١٠]، فإذا ورد ذلك في القرآن، فلا توقف، ولا اعتراض {وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر: ١٤]، واللَّه تعالى أعلم بالصواب.

(ثُمَّ) بعد فراغه من الركوع والسجود (يَكُونُ مِنْ آخِرِ مَا يَقُولُ) الجارّ والمجرور خبر "يكون" مقدّمًا على اسمها، وهو: "اللَّه اغفر بي. . . إلخ"، و"ما" موصولة، و"يقول" صلتها، حُذف منه العائد؛ أي: الذي يقوله (بَيْنَ


(١) "المفهم" ٢/ ٤٠٣.
(٢) "تفسير القرطبيّ" ١٢/ ١١٠.