مصلحةً للعباد، كالمطر العامّ، وكإرسال رسول عامّ، وهذا مما يقتضي أنه لا يجوز أن يؤيّد كذّابًا عليه بالمعجزات التي أيّد بها الصادقين، فإن هذا شرّ عامّ للناس يُضِلّهم، فيُفسِد عليهم دينهم ودنياهم وأخراهم، وليس هذا كالْمَلِك الظالم والعدوّ، فإن الملك الظالم، لا بدّ أن يدفع اللَّه به من الشرّ أكثر من ظلمه، وقد قيل: ستون سنةً بإمام ظالم خير من ليلة واحدة بلا إمام، وإذا قُدِّر كثرة ظلمه فذاك خير في الدين، كالمصائب تكون كفارةً لذنوبهم، ويثابون على الصبر عليه، ويرجعون فيه إلى اللَّه، ويسغفرونه، ويتوبون إليه، وكذلك ما يُسَلَّط عليهم من العدوّ، ولهذا قد يُمَكِّن اللَّه كثيرًا من الملوك الظالمين مدّةً، وأما المتنبئون الكذابون فلا يُطيل تمكينهم، بل لا بدّ أن يُهلكهم؛ لأن فسادهم عامّ في الدين والدنيا والآخرة، قال تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (٤٤) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (٤٦)} [الحاقة: ٤٤ - ٤٦]. انتهى كلام أبي العزُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١)، وهو بحثٌ نفيسٌ جدًّا، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وبالسند المتّصل إلى الإمام مسلم بن الحجاج -رَحِمَهُ اللَّهُ- المذكور أولَ الكتاب قال: