للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وظاهر قوله: "أحدكم" التعميم في المخاطبين، ومن في معناهم، ويمكن أن يُخصّ منه مَن وَرَدَ في حقّه أنه يُحْفَظ من الشيطان، كالأنبياء عليهم السلام، ومن تناوله قوله تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر: ٤٢]، وكمن قرأ آية الكرسيّ عند نومه، فقد ثبت أنه يُحفظ من الشيطان حتى يُصبح، أفاده في "الفتح".

وقال في موضع آخر: وقد يُظَنّ أن بين هذا الحديث وحديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-: "إن قارئ آية الكرسيّ عند نومه لا يقربه الشيطان" معارضة، وليس كذلك؛ لأن العقد إن حُمل على الأمر المعنويّ، والقربَ على الأمر الحسيّ، وكذا العكس، فلا إشكال؛ إذ لا يلزم من سحره إياه مثلًا أن يماسّه، كما لا يلزم من مماسّته أن يقربه بسرقة، أو أذى في جسده، ونحو ذلك، وإن حُملا على المعنيين، أو العكس، فيجاب بادّعاء الخصوص في عموم أحدهما، والأقرب أن المخصوص حديث الباب، كما تقدّم تخصيصه عن ابن عبد البرّ بمن لم ينو القيام، فكذا يمكن أن يقال: يختصّ بمن لم يقرأ آية الكرسيّ؛ لطرد الشيطان عنه. انتهى، وهو بحث نفيسٌ، واللَّه تعالى أعلم.

(ثَلَاثَ عُقَدٍ) منصوب على المفعوليّة لـ "يَعْقِد"، و"الْعُقَد" بضمّ، ففتح جمع عُقْدة، بضمّ، فسكون، قال البيضاويُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: التقييد بالثلاث، إما للتأكيد، أو لأن ما تنحلّ به عقده ثلاثة أشياء: الذكر، والوضوء، والصلاة، فكأن الشيطان مَنَعَ عن كلّ واحدة منها بعقدة عقدها. انتهى.

(إِذَا نَامَ) ظرف لـ "يعقد"، وفي رواية البخاريّ: "إذا هو نام"، قال في "الفتح": للأكثر، وللحموي والمستملي: "إذا هو نائمٌ"، بوزن فاعل، والأول أصوب، وهو الذي في "الموطّأ". انتهى.

(بِكُلِّ عُقْدَةٍ) متعلّق بـ "يضرب"، وللبخاريّ: "يضرب على مكان كلّ عُقدة"، قال في "الفتح": كذا للمستملي، ولبعضهم بحذف "على"، وللكشميهنيّ بلفظ: "عند مكان". انتهى.

وقوله: (يَضْرِبُ) أي: بيده على العقدة تأكيدًا وإحكامًا لها قائلًا: "عليك ليلًا طويلًا"، وقيل: معنى "يضرب": يَحْجُب الحسّ عن النائم حتى لا يستيقظ، ومنه قوله تعالى: {فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ} [الكهف: ١١]؛ أي: حجبنا