للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الموصول إليه، والاستطاعة: هي القوّة على الشيء، والتمكّن منه، ومنه قوله تعالى: {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (٩٧)} [الكهف: ٩٧]. قاله القرطبيّ.

[فإن قلت]: كيف خَصّ الأخير بقيد الاستطاعة، دون سائرها، مع أن الاستطاعة التي يتمكن بها المكلّف من فعل الطاعة مشروطة في الكلّ؟

[أجيب]: بأن الْمَعْنِيّ بالاستطاعة هنا الزادُ والراحلةُ، وكانت طائفة من الناس لا يُعِدُّونَهُمَا له، فيكونون كَلًّا على الناس، فنهوا عن ذلك، فقد أخرج البخاري في "صحيحه" عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: كان أهل اليمن يَحُجّون، ولا يتزودون، ويقولون: نحن المتوكلون، فإذا قَدِمُوا مكة سألوا الناس، فأنزل الله تعالى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة: ١٩٧]. وعند ابن أبي حاتم بلفظ، "يقولون: نحجّ بيت الله، أفلا يُطعمنا".

وقال بعضهم: لعل الحكمة في هذا أن يكون حُجَّةً على الأغنياء التاركين للحج، وقد أعطاهم الله تعالى مالًا وقدرةً.

وإيراد الأفعال المضارعيّة؛ لإفادة الاستمرار التجدّديّ لكل من الأركان المخمسة، ففي التوحيد المطلوب الاستمرار الدائم مدة الحياة، وفي الصلاة دون ذلك، وفي الصوم والزكاة دونها، وقدّم الصوم لتعلّقه بجميع المكلّفين، وأخّر الحجّ؛ لأنه لا يجب في العمر إلَّا مرّة واحدة.

(سَبِيِلًا") تمييز عن نسبة الاستطاعة، فأخر عن الجارّ؛ ليكون أوقع، وهي الطريق الذي فيه سهولة، وتُستعمل في كلّ ما يُتوصّل به إلى شيء، وتنكيره لإفادة العموم؛ إذ النكرة في الإثبات قد تفيد العموم، كما في قوله تعالى: {عَلِمَتْ نَفْسٌ} [التكوير: ١٤] (١).

[تنبيه]: قد اختلف الرواة في ذكر الحجِّ هنا، فمنهم من ذكره، كرواية كهمس هذه، ومنهم من أسقطه، إما غفلة، أو نسيانًا.

قال في "الفتح": [فإن قيل]: لِمَ لَمْ يذكر الحج؟ - يعني عند بعض الرواة - أجاب بعضهم باحتمال أنه لَمْ يكن فُرِض. وهو مردود بما رواه ابن


(١) راجع: "المرقاة" ١/ ١١٤.