(فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-) أي: من بيته (يُصَلِّي فِيهَا) جملة حاليّة من الفاعل؛ أي: حال كونه مصلّيًا في تلك الْحُجْرة، وكان ذلك في رمضان، كما سبق بيانه في حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-.
واستُشْكِلَ صلاته -صلى اللَّه عليه وسلم- في المسجد؛ لأنه يلزم منه أن يكون تاركًا للأفضل الذي أَمَر الناس به، حيث قال:"صلّوا في بيوتكم، فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة".
وأجيب عنه بأوجه:
[منها]: أن هذه الصلاة مما استُثنِيَ؛ لأن الأفضل عند الجمهور في صلاة التراويح المسجد.
[ومنها]: أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان معتكفًا، إذ ذاك، والمعتكف لا يصلي إلا في المسجد.
[ومنها]: أنه إذا احتجر صار كأنه بيت بخصوصه.
[ومنها]: أن السبب في كون صلاة التطوّع في البيت أفضل عدم شَوْبه بالرياء غالبًا، والنبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- منزّه عن الرياء في بيته، وفي غير بيته.
قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: ويظهر لي وجه آخر، وهو أنّ ذلك لبيان الجواز، والنبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا فعل شيئًا للتشريع يكون أفضل في حقّه، وإن كان في حقّنا أدون، واللَّه تعالى أعلم.
(قَالَ) زيد -رضي اللَّه عنه- (فَتَتَبَّعَ إِلَيْهِ رِجَالٌ) قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هكذا ضبطناه، وكذا هو في النسخ، وأصل التتبع الطلبُ، ومعناه هنا: طلبوا موضعه، واجتمعوا إليه. انتهى. وفي رواية موسى بن عقبة التالية:"حتى اجتمع إليه ناسٌ"(وَجَاءُوا يُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ، قَالَ: ثُمَّ جَاءُوا لَيْلَةً) أي: غير هذه الليلة، وفي رواية موسى بن عقبة التالية:"فصلّى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فيها ليالي"؛ أي: من رمضان، وقد بُيّنت تلك الليالي في حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-، المتقدّم، من رواية عروة عنها، ولفظه: "عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة بن الزبير، أن عائشة أخبرته، أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خرج من جوف الليل، فصلى في المسجد، فصلى رجال بصلاته، فأصبح الناس يتحدثون بذلك، فاجتمع أكثر منهم، فخرج رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في الليلة الثانية فصلوا بصلاته، فأصبح الناس يذكرون ذلك، فكثر أهل