للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المسجد من الليلة الثالثة، فخرج فصلَّوا بصلاته، فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجدُ عن أهله، فلم يخرج إليهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فطفق رجال منهم يقولون: الصلاة، فلم يخرج إليهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حتى خرج لصلاة الفجر، فلما قضى الفجر أقبل على الناس، ثم تشهد، فقال: أما بعدُ، فإنه لم يَخْفَ علي شأنكم الليلة، ولكني خشيت أن تُفْرَض عليكم صلاة الليل، فتعجزوا عنها".

فتبيّن بهذا أن هذه الليلة التي لم يخرُج فيها إليهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ليست الليلة الثانية، بل هي الرابعة، فتنبّه، واللَّه تعالى أعلم.

(فَحَضَرُوا) إلى المسجد (وَأَبْطَأَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَنْهُمْ) أي: تأخّر عن الخروج إليهم، فقوله: (قَالَ) زيد (فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ) تأكيد لمعنى الإبطاء (فَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ) أي: ليعلم بحضورهم، فيخرُج إليهم، وفي حديث عائشة -رضي اللَّه عنها- عند أحمد: "حتى سمعتُ ناسًا منهم يقولون: الصلاة".

(وَحَصَبُوا الْبَابَ) أي: رَمَوهُ بالحصباء، وهي الحصى الصغار؛ حرصًا على خروجه إليهم ليصلّي بهم، وتنبيهًا له؛ لظنهم نسيانه، وهذا ظاهر في كونه -صلى اللَّه عليه وسلم- دخل بيتًا من بيوت أزواجه بعدما صلى بهم الفريضة، فلم يخرج منه إلى الحجرة التي كان احتجرها في المسجد بالحصير، فحصبوا باب بيته؛ ليخرج منه إلى حجرة الحصير، فيصلّوا بصلاته من ورائها.

(فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- مُغْضَبًا) وكان خروجه -صلى اللَّه عليه وسلم- ذلك لصلاة الفجر، كما سبق في حديث عائشة -رضي اللَّه عنها- المذكور، لا عند رفع أصواتهم، وحصبهم بابه، كما يوهمه ظاهر هذا الرواية، فتنبّه، (فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-) أي: بعد صلاته الصبح، وتشهّده، وقوله: "أما بعدُ"، كما في حديث عائشة -رضي اللَّه عنها- المذكور ("مَا زَالَ بِكُمْ صَنِيعُكُمْ). قال في "الفتح": كذا للأكثر، وللكشميهنيّ: "صُنْعكم" بضم الصاد، وسكون النون، قال: وليس المراد به صلاتهم فقط، بل كونهم رفعوا أصواتهم، وسبّحوا به؛ ليخرُج إليهم، وحصب بعضهم الباب؛ لظنّهم أنه نائمٌ (١)، وفي حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-: "فلما أصبح قال: قد رأيت الذي صنعتم".


(١) "الفتح" ٢/ ٢٥٢.