للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُكْتَبُ عَلَيْكُمْ) أي: قيام الليل، وفي حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-: "ولكني خشيتُ أن تُفرض عليكم صلاة الليل، فتعجزوا عنها"، وهذا ظاهر في أن عدم خروجه إليهم كان لهذه الخشية، لا لكون المسجد امتلأ، وضاق عن المصلين، قاله في "الفتح".

زاد في رواية موسى بن عقبة التالية: "ولو كُتب عليكم ما قمتم به"؛ أي: لتركتموه مع القدرة عليه، وفي رواية للبخاري: "ولكني خشيت أن تفرض عليكم صلاة الليل، فتَعْجِزوا عنها"؛ أي: تشق عليكم، فتتركونها مع القدرة عليها، وليس المراد العجز الكلّيّ؛ لأنه يُسقطُ التكليفَ من أصله.

(فَعَلَيْكُمْ بِالصَّلَاةِ فِي بُيُوتِكُمْ) أي: الزموا أداء النوافل التي لا تستحبّ فيها الجماعة، والتي لا تختصّ بالمسجد، كركعتي تحيّة المسجد، والأمرُ للاستحباب، وإنما قيّدنا بالنوافل؛ لأن المكتوبة تؤدَّى في المساجد، لا في البيوت، كما بيّنه بالاستثناء في قوله: (فَإِنَّ خَيْرَ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ) هذا عامّ في جميع النوافل والسنن، إلا النوافل التي هي من شعار الإسلام، كالعيد، والكسوف، والاستسقاء، وكذا ما يختصّ بالمسجد، كركعتي تحية المسجد، كما ذكرناه آنفًا.

قال في "الفتح": المراد بالمكتوبة الصلوات الخمس لا ما وجب بعارض كالمنذورة، والمراد بالمرء جنس الرجال، فلا يرد استثناء النساء؛ لثبوت قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تمنعوهنّ المساجد، وبيوتهنّ خير لهنّ"، أخرجه مسلم (١).

وقال السنديّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قد ورد هذا الحديث في صلاة رمضان في مسجده -صلى اللَّه عليه وسلم-، فإذا كان صلاة رمضان في البيت خيرًا منها في مسجده -صلى اللَّه عليه وسلم-، فكيف غيرها في مسجد آخر؟ نعم كثير من العلماء يرون أن صلاة رمضان في المسجد أفضل، وهذا يخالف هذا الحديث؛ لأن مورده صلاة رمضان، إلا أن يقال: صار أفضل حين صار أداؤها في المسجد من شعار الإسلام، واللَّه تعالى أعلم. انتهى.

قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: في كلامه الأخير نظر لا يخفى، ومتى


(١) "الفتح" ٢/ ٢٥٢.