النبات، وقيل: سَفِيفَة تُصنع من بَرْديّ، وأسَل، ثم تُفْرَش؛ سمي بذلك لأنه يلي وجه الأرض، وقيل: الحصير المنسوج، سُمِّي حصيرًا؛ لأنه حُصِرت طاقاته بعضُهَا مع بعض، أفاده في "اللسان".
(وَكَانَ يُحَجِّرُهُ) بتشديد الجيم، من التحجير؛ أي: يتّخذه كالحُجْرَة؛ لئلا يمر عليه مارّ، وليتوفر خشوعه (مِنَ اللَّيْلِ)"من" بمعنى "في"، أو هي للتبعيض (فَيُصَلِّي فِيهِ، فَجَعَلَ النَّاسُ) أي: شرعوا وأخذوا (يُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ) أي: مقتدين بصلاته -صلى اللَّه عليه وسلم- (وَيَبْسُطُهُ) أي: ذلك الحصير (بِالنَّهَارِ) الباء بمعنى "في"؛ أي: يجعله بساطًا يجلس عليه في النهار (فَثَابُوا) -بالثاء المثلَّثة، ثم موحدة- أي: اجتمعوا إليه، وفي رواية البخاري:"فثاب إليه ناس"، ووقع عند الخطابيُّ:"آبُوا" أي: رجعوا، وفي روا ية الكشميهني والسرخسي:"فثاروا" -بالمثلثة، والراء- أي: قاموا، قاله في "الفتح".
وقوله:(ذَاتَ لَيْلَةٍ) أي: ليلة من الليالي، وقد تقدّم أنه الليلة الرابعة (فَقَالَ) هذا معطوف على محذوف تبيّنه الروايات الأخرى؛ أي: فلم يخرُج إليهم حتى طلع الفجر، فخرج إليهم، وصلى بهم الفجر، فلما سلّم قال لهم: ("يَا أَيُّهَا النَّاسُ، عَلَيْكُمْ مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ) أي: الزَمُوا من الأعمال ما تستطيعون المداومة عليه، فـ "عليكم" اسم فعل بمعنى "الزموا"، و"ما" موصولة مفعول به و"عليكم"، و"تطيقون" صلته، حُذف منه العائد؛ لكونه فضلةً، كما قال في "الخلاصة":
والمعنى: اشتغلوا من الأعمال بما تستطيعون المداومة عليه، فمنطوقه الأمر بالاقتصار على ما يُطاق من العبادة، ومفهومه يقتضي النهي عن تكلّف ما لا يطاق، وقال القاضي عياض -رَحِمَهُ اللَّهُ-: يَحْتَمِلُ أن يكون خاصًّا بصلاة الليل، ويَحْتَمِل أن يكون عامًّا في الأعمال الشرعيّة. انتهى.
قال الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: سبب وروده خاصّ بالصلاة، ولكن اللفظ عامّ، وهو المعتبر. انتهى (١)، وهو تحقيقٌ حسنٌ، واللَّه تعالى أعلم.