للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا) بفتح الميم في الموضعين، مضارع مَلّ، يقال: مَلِلْته، ومَلِلتُ منه مَلَلًا، من باب تَعِبَ، وملالةً: سئِمْتُ، وضَجِرْتُ، والفاعل مَلُولٌ، ويتعدَّى بالهمزة، فيقال: أمللته الشيءَ، قاله في "المصباح" (١).

وفي الرواية الآتية: "لا يسأم حتى تسأموا"، والمعنى واحد.

قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قال العلماء: المَلَل، والسآمة بالمعنى المتعارف في حقنا محال في حق اللَّه تعالى، فيجب تأويل الحديث، قال المحققون: معناه لا يعاملكم معاملة المالِّ، فيقطع عنكم ثوابه، وجزاءه، وبسط فضله ورحمته حتى تقطعوا عملكم.

وقيل: معناه لا يملّ إذا مَلِلْتم، قاله ابن قتيبة وغيره، وحكاه الخطابيّ وغيره، وأنشدوا فيه شعرًا، قالوا: ومثاله قولهم في البليغ: فلان لا ينقطع حتى يقطع خصومه، معناه: لا ينقطع إذا انقطع خصومه، ولو كان معناه: ينقطع إذا انقطع خصومه، لم يكن له فضل على غيره. انتهى (٢).

وقال السيوطيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في شرح النسائيّ: الْمَلالُ: استثقال الشيء والنفور عنه بعد محبته، وهو محال على اللَّه تعالى باتفاق، قال الإسماعيلي، وجماعة من المحققين: إنما أُطلق هذا على جهة المقابلة اللفظية مجازًا، كما قال تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: ٤٠].

وقال القرطبيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وجه مجازه أنه تعالى لمّا قطع ثوابه عمن قطع العمل مَلالًا عبّر عن ذلك بالملال، من باب تسمية الشيء باسم سببه، وقال الهروي: معناه لا يقطع عنكم فضله حتى تملوا سؤاله، فتزهدوا في الرغبة إليه، وهذا كله بناء على أن "حتى" على بابها في انتهاء الغاية، وما يترتب عليها من المفهوم.

وجنح بعضهم إلى تأويلها، فقيل: معناه لا يمل اللَّه إذا مَلِلْتم، وهو مستعمل في كلام العرب، يقولون: لا يفعل كذا حتى يَبْيَضَّ القارُ، أو حتى يَشِيب الغراب، ومنه قولهم في البليغ: لا ينقطع حتى ينقطع خصومه؛ لأنه لو انقطع حين ينقطعون لم يكن له عليهم مزية، وهذا المثال أشبه من الذي قبله؛


(١) "المصباح المنير" ٢/ ٥٨٠.
(٢) "شرح النوويّ" ٦/ ٧١.