للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وحمله المهلَّب على ظاهره، فقال بقطع الصلاة لغلبة النوم عليه، فدلّ على أنه إذا كان النعاس أقلّ من ذلك عُفِي عنه، قال: وقد أجمعوا على أن النوم القليل لا ينقض الوضوء، وخالف في ذلك الْمُزَنيّ فقال: ينقض قليله وكثيره، فخرق بذلك الإجماع، كذا قال المهلَّب، وتبعه ابن بطال، وابن التين، وغيرهما وقد تحاملوا على المزنيّ في هذه الدعوى، فقد نقل ابن المنذر، وغيره عن بعض الصحابة -رضي اللَّه عنهم- والتابعين المصير إلى أن النوم حدث ينقض قليله وكثيره، وهو قول أبي عبيد، وإسحاق ابن راهويه، قال ابن المنذر: وبه أقول؛ لعموم حديث صفوان بن عسال -رضي اللَّه عنه-؛ يعني: الذي صححه ابن خزيمة، وغيره، ففيه: "إلا من غائط، أو بول، أو نوم"، فسوّى بينهما في الحكم، والمراد بقليله وكثيره طول زمانه وقصره لا مباديه.

والذين ذهبوا إلى أن النوم مظنة الحدث اختلفوا على أقوال: التفرقة بين قليله وكثيره، وهو قول الزهريّ، ومالك، وبين المضطجع وغيره، وهو قول الثوريّ، وبين المضطجع والمستند وغيرهما، وهو قول أصحاب الرأي، وبينهما والساجد بشرط قصده النوم وبين غيرهم، وهو قول أبي يوسف، وقيل: لا ينقض نوم غير القاعد مطلقًا، وهو قول الشافعي في القديم، وعنه التفصيل بين خارج الصلاة فينقض أو داخلها فلا، وفَصَّل في الجديد بين القاعد المتمكن فلا ينقض وبين غيره فينقض. انتهى (١).

وقد تقدّم البحث عن هذه الأقوال مستوفى في "كتاب الحيض"، مع ترجيح ما ذهب إليه الشافعيُّ في الجديد؛ لقوّة حجته، فراجعه برقم [٨/ ٨٣٩] (٣٧٦) تستفد، وباللَّه تعالى التوفيق.

(حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ) غاية للرقاد؛ أي: يرقُد إلى أن يذهب عنه نومه الذي منعه من الصلاة.

ثم بيّن سبب أمره بالرقاد، وتركه الصلاة بقوله: (فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا صَلَّى، وَهُوَ نَاعِسٌ) جملة في محلّ نصب على الحال (لَعَلَّهُ يَذْهَبُ) أي: يقصد، يقال: ذَهَبَ مَذْهَبَ فُلانٍ: أي: قَصَدَ قَصْدَهُ، قاله في "المصباح" (٢)، وقوله: (يَسْتَغْفِرُ)


(١) "الفتح" ١/ ٣٧٦.
(٢) "المصباح المنير" ١/ ٢١٠.