للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقد قال به من الشافعية أبو المكارم، والرويانيّ، واحتَجّ بأن الإعراض عن التلاوة يتسبب عنه نسيان القرآن، ونسيانه يدل على عدم الاعتناء به، والتهاون بأمره.

وقال القرطبي: من حفظ القرآن، أو بعضه، فقد عَلَت رتبته بالنسبة إلى من لم يحفظه، فإذا أَخَلّ بهذه الرتبة الدينية حتى تزحزح عنها، ناسب أن يعاقب على ذلك، فإن ترك معاهدة القرآن يُفضي إلى الرجوع إلى الجهل، والرجوع إلى الجهل بعد العلم شديد.

وقال إسحاق ابن راهويه: يُكره للرجل أن يمرّ عليه أربعون يومًا لا يقرأ فيها القرآن. انتهى (١).

قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: القول بكون النسيان من الكبائر على إطلاقه غير صحيح؛ لأنه مما لا دليل عليه، إذ لا تصح الأحاديث فيه، ففي إسناد حديث أنس المذكور عبدُ المجيد بنُ عبد العزيز بن أبي رَوَّاد، وهو مختلف فيه، والمطلب بن عبد اللَّه بن حنطب، صدوق كثير التدليس والإرسال -كما قال في "التقريب"- وقد عنعنه عن أنس. فالحديث ضعيف.

وأما حديث سعد بن عبادة ففيه يزيد بن أبي زياد ضعيف، وعيسى بن أبي عيسى قال ابن المديني: مجهول لم يرو عنه غير يزيد بن أبي زياد، وقال ابن عبد البر: لم يسمع من سعد بن عبادة، ولا أدركه (٢).

وبالجملة: إن الأحاديث في هذا الباب لا تصح، وعلى تقدير صحتها تُحْمَل على من أعرض عن القرآن عملًا وتلاوة، فيكون معنى الحديث على معنى قوله تعالى: {كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه: ١٢٦].

وأما الذي يعمل بالقرآن، وهو حافظ له، ثم عرض له مانع يمنعه عن استذكاره، وشغل يشغله عن مراجعته حتى نسيه، فليس داخلًا في الوعيد،


= وهي متقاربة، وقيل: يُحْشَر مجذومًا حقيقة، ويؤيده أن في رواية زائدة بن قدامة عند عبد بن حميد: "أتى اللَّه يوم القيامة، وهو مجذوم". انتهى.
(١) "الفتح" ١١/ ٢٨٥ - ٢٨٦ "كتاب فضائل القرآن" رقم (٥٠٤٠ - ٥٠٤٢).
(٢) راجع: "تهذيب التهذيب" ٨/ ٢٢٧.