للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وفي الرواية الآتية من طريق محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة "أنه سمع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول. . . " (قَالَ) أي: النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ("مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ) -بكسر الذال المعجمة-؛ أي: ما استمع اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- لشيء مما يُسمَع، (مَا أَذِنَ لِنَبِيٍّ) أي: كاستماعه لنبيّ، فـ "ما" الأولى نافية، والثانية مصدرية، ونَكَّرَ "نبيًّا"؛ لأن المراد به الجنس، ووقع في رواية أبي ذرّ لـ "صحيح البخاريّ": "للنبيّ" بالتعريف، قال في "الفتح": فإن كانت محفوظة فهي للجنس، ووَهِمَ من ظنها للعهد، وتوهم أن المراد نبينا محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: ما أذن للنبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وشرحه على ذلك. انتهى.

زاد في رواية محمد بن إبراهيم الآتية: "حسن الصوت"، وهو بالجر صفة و"نبي".

وقوله: (يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ") جملة فعلية في محل نصب حال من "نبي"؛ أي: يحسّن صوته به حال قراءته، أو هو بمعنى الجهر، فيكون قوله في الرواية الآتية: "يَجْهَر به" تفسيرًا له، أو بمعنى يُلَيّن، ويُرَقّق صوته؛ ليجلب به إلى نفسه وإلى السامعين الحزن والبكاء، وينقطع به عن الخلق إلى الخالق -عَزَّ وَجَلَّ-، أفاده السنديُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-.

وقال الإمام أبو حاتم بن حبّان -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "صحيحه": معنى: "يتغنى بالقرآن" يريد يتحزَّن به، وليس هذا من الْغُنْية، ولو كان ذلك من الغنية لقال: يتغانى به، ولم يقل: يتغنى به، وليس التحزُّن بالقرآن نقاء الْجِرْم (١)، وطيب الصوت، وطاعة اللهوات بأنواع النغم بوفاق الوقاع، ولكن التحزُّن بالقرآن، هو أن يقارنه شيئان: الأَسَفُ والتلهُّفُ، الأسف على ما وقع من التقصير، والتلهف على ما يُؤَمَّل من التوقير، فإذا تألم القلب، وتوجع، وتحزّن الصوت، ورَجَّعَ، بَدَرَ الْجَفْنُ بالدموع، والقلب باللموع، فحينئذ يستلذ المتهجّد بالمناجاة، وَيفِرُّ من الخلق إلى وَكْرِ الخلوات، رَجَاءَ غُفْران السالف من الذنوب، والتجاوز عن الجنايات والعيوب، فنسأل اللَّه التوفيق له. انتهى (٢).


(١) بكسر الجيم: الحلق.
(٢) "الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان" ٣/ ٢٩.