قال الجامع عفا اللَّه عنه: سيأتي تمام البحث بذكر اختلاف العلماء في معنى التغني في المسألة الرابعة -إن شاء اللَّه تعالى-.
ووقع في رواية عند البخاريّ من طريق ابن شهاب، عن أبي سلمة:"أن يتغنى" بزيادة "أن".
قال في الفتح: وزعم ابن الجوزيّ أن الصواب حذف "أن"، وأن إثباتها وَهَمٌ من بعض الرواة؛ لأنهم كانوا يروون بالمعنى، فربما ظن بعضهم المساواة، فوقع الخطأ؛ لأن الحديث لو كان بلفظ "أن" لكان من الإذن بكسر الهمزة، وسكون الذال بمعنى الإباحة والإطلاق، وليس ذلك مرادًا هنا، وإنما هو من الأَذَن بفتحتين، وهو الاستماع.
وقوله:"أَذِنَ"؛ أي: استمع.
والحاصل أن لفظ "أَذِنَ" بفتحة، ثم كسرة في الماضي، من باب تَعِبَ: مشترك بين الإطلاق والاستماع، تقول: أَذِنْتُ آذَنُ بالمدّ، فإن أردت الإطلاق، فالمصدر بكسرة، ثم سكون، وإن أردت الاستماع فالمصدر بفتحتين، قال عديّ بن زيد [من الرمل]:
وقال القرطبيّ: أصل الأَذَنِ -بفتحتين- أن المستمع يميل بأذنه إلى جهة من يسمعه، وهذا المعنى في حقّ اللَّه تعالى لا يراد به ظاهره، وإنما هو على سبيل التوسع على ما جرى به عرف المخاطب، والمراد به في حقّ اللَّه تعالى إكرام القارئ، وإجزال ثوابه؛ لأن ذلك ثمرة الإصغاء. انتهى.
قال الجامع عفا اللَّه عنه: هذا الذي قاله القرطبيّ في المعنى المراد بالأذَن هنا أنه بمعنى الإكرام، وإجزال الثواب أراد به أن الكلام من باب المجاز، لا من باب الحقيقة، وهذا غير صحيح؛ لأنه يستلزم عدم إثبات صفة الأَذَن للَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، وقد أثبتها له النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في هذا النصّ الصحيح، فالصواب إثباتها على حقيقتها اللائقة بجلاله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، ولا يلزم من ذلك تشبيهه بمخلوقاته؛ لأن صفاته -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- لا تشبه صفات المخلوقين، فلو لزم من إثباتها التشبيه للزم أيضًا في الإكرام، وإجزال المثوبة، اللذين أوّل بهما القرطبيّ؛ لأنهما يوصف بهما المخلوق