وقد أخرج ابن أبي داود من طريق ابن أبي مسجعة، قال:"كان عمر -رضي اللَّه عنه- يُقَدِّم الشاب الحسن الصوت؛ لحسن صوته بين يدي القوم".
٣ - (ومنها): إثبات صفة الأذَن -بفتحتين- بمعنى الاستماع للَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- ما يليق بجلاله، وأما ما قاله السنديّ وغيره من أنه لما كان الاستماع على اللَّه تعالى محالًا؛ لأنه شأن من يختلف سماعه بكثرة التوجه، وقلّته، وسماعُهُ تعالى لا يختلف قالوا: هذا كناية عن تقريب القارئ، وإجزال مثوبته. انتهى، فغير صحيح؛ لأن قولهم هذا مبني على معنى الاستماع الذي ينسب إلى المخلوق؛ لأنهم لم يفهموا معنى الاستماع إلا بالمعنى الذي ذكروه، وهذا خطأ، فإن الاستماع الذي يكون للَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- غير الاستماع الذي يكون للمخلوق، وإننا إذ نثبت للَّه تعالى صفاته العلية لا نثبتها بمعناها الذي يكون للمخلوق، وإنما نثبتها بالمعنى الذي يليق بجلاله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، فتبصر، ولا تتهوّر، واللَّه تعالى الهادي إلى سواء السبيل.
٤ - (ومنها): استحباب التغني بقراءة القرآن، لكن بشرط أن لا يُخِلّ بقوانين الأداء، كما قرره أهل القراءة.
قال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: تمسّك بهذا الحديث من يُجوّز قراءة القرآن بالألحان، وهو أبو حنيفة، وجماعة من السلف، وقال به الشافعيّ في التحزين، وكرهه مالك وأكثر العلماء، ولا أشكّ أن موضع الخلاف في هذه المسألة إنما هو إذا لم يُغيِّر لفظ القرآن بزيادة أو نقصان، أو يُبْهِم معناه بترديد الأصوات، فلا يُفهم معنى القرآن، فإن هذا مما لا شكّ في تحريمه، فأما إذا سلم من ذلك، وحَذَى به حَذْوَ أساليب الغناء والتطريب والتحزين فقط، فقد قال مالك: ينبغي أن نُنزِّه أذكار اللَّه، وقراءة القرآن عن التشبيه بأحوال المجون والباطل، فإنها حقّ وجِدّ وصدقٌ، والغناء هزلٌ ولهو ولَعِبٌ، وهذا الذي قاله مالك وجمهور العلماء هو الصحيح؛ بدليل ما ذُكر، وبأدلّة أخرى. انتهى (١)، وسيأتي تمام البحث في هذا في المسألة الخامسة -إن شاء اللَّه تعالى- واللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.