في حالة التحديث، وكأنه استحضر صورةَ الحال، فصار كأنه حاضر عنده لَمّا رأى ما رأى، فكأنه يقول: استَمِرّ على قراءتك؛ لتستمر لك البركة بنزول الملائكة، واستماعها لقراءتك، وفَهِمَ أسيد -رضي اللَّه عنه- ذلك، فأجاب بعذره في قطع القراءة، وهو قوله:"فخَشِيتُ أن تطأ يحيى"؛ أي: خِفْتُ إن استمررت على القراءة أن تطأ الفرس ولدي، ودلّ سياق الحديث على محافظة أسيد -رضي اللَّه عنه- على خشوعه في صلاته؛ لأنه كان يمكنه أوّلَ ما جالت الفرس أن يرفع رأسه، وكأنه كان بلغه حديث النهي عن رفع المصلي رأسه إلى السماء، فلم يرفعه حتى اشتد به الْخَطْبُ.
ويَحْتَمِلُ أن يكون رفع رأسه بعد انقضاء صلاته، فلهذا تمادى به الحال ثلاث مرات.
وقال القرطبي -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- لابن حُضير:"اقرأ" عند إخباره له بما رأى، هو أمر له بالمداومة على القراءة فيما يستأنفه فرحًا بما أطلعه اللَّه تعالى عليه، وكرّر ذلك تأكيدًا. انتهى (١).
وفي رواية ابن حبّان من طريق ابن أبي ليلى، عن أُسيد المذكورة:"فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: اقرأ يا أبا عَتِيك"، فالتفتّ، فإذا مثل المصباح مُدَلًّى بين السماء والأرض، وأبو عتيك كُنية أُسيد -رضي اللَّه عنه-.
(قَالَ) أُسيد -رضي اللَّه عنه- (فَقَرَأْتُ) أي: مرّةً ثانيةً (ثُمَّ جَالَتْ أَيْضًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اقْرَأ ابْنَ حُضَيْرِ"، قَالَ) أُسيد -رضي اللَّه عنه- (فَقَرَأتُ) أي: مرّةً ثالثةً (ثُمَّ جَالَتْ أَيْضًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اقْرَأ ابْنَ حُضَيْرٍ"، قَالَ) أسيدٌ -صلى اللَّه عليه وسلم- (فَانْصَرَفْتُ) أي: رجعت من صلاتي، والظاهر أنه بعد الخروج منها بالسلام (وَكَانَ يَحْيَى قَرِيبًا مِنْهَا) أي: من الفرس (خَشِيتُ أَنْ تَطَأَهُ، فَرَأَيْتُ مِثْلَ الظُّلَّةِ، فِيهَا أَمْثَالُ السُّرُجِ، عَرَجَتْ فِي الْجَوِّ، حَتَّى مَا أَرَاهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "تِلْكَ الْمَلَائِكَةُ) أي: الظلّة التي رأيتها هي الملائكة التي (كَانَتْ تَسْتَمِعُ لَكَ) أي: لسماع قراءتك، وفي رواية البخاريّ: "تلك الملائكة دَنَتْ لصوتك"، وفي رواية أُبيّ بن كعب: "وكان أُسيد حسن الصوت"، وفي رواية يحيى بن أيوب، عن