للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وفي رواية للبخاريّ من طريق سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، أن نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لأُبي بن كعب: "إن اللَّه أمرني أن أقرئك القرآن"، قال: آللَّه سماني لك؟ قال: "نعم"، قال: وقد ذُكِرتُ عند رب العالمين؟ قال: "نعم"، فذَرَفَت (١) عيناه.

قال في "الفتح": قوله: "أن أُقرئك" أي: أُعلّمك بقراءتي عليك كيف تقرأ، حتى لا تتخالف الروايتان، وقيل: الحكمة فيه؛ لتحقّق قوله تعالى فيها: {رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً (٢)} [البينة: ٢]. انتهى (٢).

(قَالَ: آللَّهُ سَمَّانِي لَكَ؟) بهمزة الاستفهام؛ أي: هل نَصّ عليّ باسمي، أو قال لك: اقرأ على واحد من أصحابك، فاخترتني أنت؟ فلما قال له: "نعم" بَكَى، إما فرَحًا وسُرُورًا بذلك، وإما خشوعًا وخوفًا من التقصير في شكر تلك النعمة، قاله في "الفتح" (٣).

وقال القرطبيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: "آللَّه سمّاني لك؟ " بهمزة الاستفهام على التعجّب منه؛ إذ كان ذلك عنده مستبعدًا؛ لأن تسمية اللَّه تعالى له، وتعيينه ليقرأ عليه النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- تشريف عظيمٌ، وتأهيلٌ لم يَحصُل مثله لأحد من الصحابة -رضي اللَّه عنهم-، ولذلك لَمّا أخبره بذلك بَكَى من شدّة الفرح والسرور؛ لحصول تلك المنزلة الشريفة، والرتبة المنيفة. انتهى (٤).

(قَالَ) -صلى اللَّه عليه وسلم- ("اللَّهُ سَمَّاكَ لِي") وفي رواية للطبراني من وجه آخر، عن أُبي بن كعب -رضي اللَّه عنه- قال: "نعم باسمك، ونسبك في الملأ الأعلى" (قَالَ) أنس -رضي اللَّه عنه- (فَجَعَلَ) أي: شَرَع وأخذ (أُبَيٌّ) -رضي اللَّه عنه- (يَبْكِي) قال القرطبيُّ: تَعَجَّب أُبَيٌّ -رضي اللَّه عنه- من ذلك؛ لأن تسمية اللَّه له، ونصَّه عليه؛ ليقرأ عليه النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- تشريف عظيمٌ، فلذلك بَكَى، إما فرحًا، وإما خشوعًا.

وقال أبو عبيد -رَحِمَهُ اللَّهُ-: المراد بالعرض على أُبَيّ -رضي اللَّه عنه-؛ ليتعلم أُبَيّ منه القراءة، ويتثبت فيها، وليكون عَرْضُ القرآن سنةً، وللتنبيه على فضيلة أُبَيّ بن


(١) بفتح الذال والراء المعجمة: أي تساقطت بالدموع.
(٢) "الفتح" ٨/ ٥٩٨.
(٣) "الفتح" ٧/ ١٥٨.
(٤) "المفهم" ٢/ ٤٢٦.