للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عَلَيْكَ) هكذا في معظم النسخ: "أقرأ" بهمزة واحدة، وهو بتقدير همزة الاستفهام، وفي بعض النسخ: "أأقرأ عليك" بهمزتين (وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول، والجملة حال من الكاف في "عليك" الأول؛ أي: والحال أن القرآن أنزله اللَّه عليك، فأنت أحقّ بقراءته من غيرك؛ إذ جريان الحكمة على لسان الحكيم أحلى، وكلام المحبوب على لسان الحبيب أولى (قَالَ) -صلى اللَّه عليه وسلم-: ("إِنِّي أَشْتَهِي) وفي الرواية الآتية: "إني أحبّ" (أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي") قال ابن بطّال -رَحِمَهُ اللَّهُ-: يَحْتَمِلُ أن يكون أحبّ أن يسمعه من غيره؛ ليكون عرض القرآن سنّةً، ويَحْتَمِلُ أن يكون لكي يتدبّره، ويتفهّمه، وذلك أن المستمع أقوى على التدبّر، ونفسه أخلى وأنشط لذلك من القارئ؛ لاشتغاله بالقراءة وأحكامها، وهذا بخلاف قراءته هو -صلى اللَّه عليه وسلم- على أُبيّ بن كعب -رضي اللَّه عنه-، فإنه أراد أن يُعلّمه كيفيّة أداء القراءة، ومخارج الحروف، ونحو ذلك. انتهى (١).

(فَقَرَأْتُ النِّسَاءَ) أي: قرأت عليه -صلى اللَّه عليه وسلم- سورة النساء من أولها، كما يأتي في الرواية التالية بلفظ: "فقرأ عليه من أول سورة النساء" (حَتَّى إِذَا بَلَغْتُ: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ} [النساء: ٤١]) يشهد على كفرهم، فهو كقوله تعالى: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ} الآية [المائدة: ١١٧].

فـ "كيف" في موضع رفع خبر مبتدأ محذوف، والعامل في "إذا" هو هذا المقدّر، أو في محلّ نصب بفعل محذوف؛ أي: فكيف يكونون، أو يصنعون، ويجري فيه الوجهان: النصب على التشبيه بالحال، كما هو مذهب سيبويه، أو على التشبيه بالظرفيّة، كما هو مذهب الأخفش، وهو العامل في "إذا" أيضًا.

وقوله: {مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ} متعلّق بـ {جِئْنَا}، والمعنى أنه يؤتى بنبيّ كلّ أمّة يشهد عليها ولها ({وَجِئْنَا بِكَ}) يا محمد ({عَلَى هَؤُلَاءِ}) أي: أمّتك ({شَهِيدًا}) حال أي: شاهدًا لمن آمن بالإيمان، وعلى من كفر بالكفر، وعلى من نافق بالنفاق، وقيل: أي: تشهد على صدق هؤلاء الشهداء؛ لحصول علمك بعقائدهم؛ لدلالة كتابك وشرعك على قواعدهم.


(١) راجع: "المرعاة" ٧/ ٢٧١.