للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال أبو حيّان: الأظهر أن هذه الجملة في موضع جرّ؛ عطفًا على {جِئْنَا} الأول؛ أي: فكيف يصنعون في وقت المجيئين.

وقال المظهر -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا} الآية [النساء: ٤١] يعني: فكيف حال الناس في يوم تحضر أمة كلّ نبيّ، ويكون نبيّهم شهيدًا بما فَعَلُوا من قبولهم له، أو ردّهم إياه؟ وكذلك نفعل بك يا محمد وبأمتك. انتهى.

وتعقّبه الطيبيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- بأن هذا المعنى ينافي قوله تعالى: {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: ١٤٣] أي: حفيظًا ومزكّيًا لكم، فالشهادة لهم لا عليهم، فكيف يُفسّر هذا بما يناقضه، بل المعنِيُّ بهؤلاء أشخاصٌ معيّنون من الكفرة.

وقال في "الكشّاف": المعنى: فكيف يصنع هؤلاء الكفرة من اليهود وغيرهم إذا جئنا من كل أمة بشهيد يشهد عليهم بما فَعَلوا، وهو نبيّهم؟.

قال: وأما بكاؤه -صلى اللَّه عليه وسلم- فلفَرط رأفته، ومزيد شفقته، حيث عزّ عليه عَنَتُهُم، فعزّى عليهم، وبَكَى، {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (١٢٨)} [التوبة: ١٢٨]. انتهى كلام الطيبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: عندي أنه لا تنافي بين الآيتين على تفسير المظهر -رَحِمَهُ اللَّهُ-؛ لأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- يشهد على أمته بما لهم وما عليهم كما يشهد الأنبياء على أممهم، ثم الذين شهد لهم النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بالخير والصلاح من أمته يكونون شهداء على أمم الأنبياء، فلا تعارض بين الآيتين، فتبصر، واللَّه تعالى أعلم.

[تنبيه]: قال ابن أبي حاتم -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "تفسيره": حدّثنا أبو بكر بن أبي الدنيا، حدّثنا الصَّلْتُ بن مسعود الْجَحْدريّ، حدّثنا فُضيل بن سليمان، حدّثنا يونس بن محمد بن فَضَالة الأنصاريّ، عن أبيه، قال: وكان أبي ممن صحب النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أتاهم في بني ظَفَر، فجلس على الصخرة التي في بني ظَفَر اليوم، ومعه ابن مسعود، ومعاذ بن جبل، وناس من أصحابه، فأمر النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قارئًا، فقرأ حتى أتى على هذه الآية: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ


(١) "الكاشف عن حقائق السنن" ٥/ ١٦٨٣.